وجود “إسرائيل”مصلحة أمريكية وغربية
عبدالله الربيعي
في زمن التحولات الكبرى والأزمات الحادة تتضح الحقيقة وتظهر للعلن الاستراتيجيات والنوايا المخفية، فبعد “طوفان الأقصى” والزلازل العنيف الذي نتج عن (7 أكتوبر الفلسطيني) في منطقة غلاف غزة والضربة الموجعة للكيان الصهيوني، هرول الرئيس الأمريكي ووزراؤه للدفاع والخارجية ورؤساء حكومات فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا لنجدة “إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر” الذي أظهر هشاشة وحالة تمزق داخلي من جراء المباغتة الفلسطينية التي أصابته في مقتل.
“فإسرائيل” هذا الكيان المخلّق والمغروس في قلب الأمة العربية والإسلامية وفق مخططات المستعمر قبل خروجه من المنطقة واستخدام الكيان المصطنع كقاعدة أمامية استيطانية مسلحة بكل أسلحة الدمار الشامل، حاجة ومطلب غربي استعماري وظيفي، كما جاء على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يخاطب قادة الكيان حيث قال: وبالنص “إنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها”، إذن احتلال فلسطين وتهجير أهلها وشن الحروب في أعوام 48 و56 و67 وإقامة “دولة إسرائيل” وضمان تفوقها على كل جيرانها مجتمعين، حاجة ومصلحة أوروبية غربية وأمريكية، قبل أن تكون أرضا للميعاد والجنّة المفقودة ليهود أوروبا المضطهدين والمكروهين والمعزولين في غيتوات وكانتونات عواصم ومدن الغرب، فوعد بلفور المشؤوم بإقامة دولة لليهود ومخطط تقسيم المنطقة وفق سيكس بيكو، لم يأت من فراغ، أو تعاطفا مع اليهود بل جاء كمطلب استراتيجي أوروبي لخلق جسم غريب وعدواني مسلح في قلب المنطقة العربية، يحول دون وحدتها وتحررها ـ حيث وحدة التاريخ والدين والمصير المشترك واللسان والثقافة ـ هذه الركائز مجتمعة لقيام أي دولة قوية ومؤثرة في محيطها خاصة وأنها تشاطئ أوروبا على البحر المتوسط، هذه البحيرة التي تمثل قلب العالم القديم وتسيطر على مفاتيحه الاستراتيجية.
ولقد شكّلت هذه الأمة تحديا خطيرا لأوروبا فيما سبق، خلال حروب الفتح العربي الإسلامي وأثناء التصدي للحروب الصليبية حتى تحرير بيت المقدس وهزيمة الصليبين على يد صلاح الدين، كل تلك المطاعم والتاريخ المؤلم المليء بالهواجس وعدم الثقة، وبروز المسألة اليهودية كمشكلة أوروبية أثناء صعود عصر القوميات، والتي بدأت تطرح نفسها بقوة خاصة بعد وصول الأحزاب والحركات الفاشية والنازية للحكم في ألمانيا وإيطاليا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى والتي تدعو إلى التخلص من اليهود المكروهين، وإقامة قوميات نقيّة عرقيا وقومياً في ظل خطاب ديني وقومي يقول “من الذي يحول دون اليهود وعودتهم إلى أرضهم في يهودا؟! لا أحد، إننا سنزودهم بكل ما يحتاجون لرحلتهم، لا لشيء إلا للتخلص منهم، إنهم عبء ثقيل علينا وهم بلاء وجودنا!”.
تقاطع كل ذلك مع رغبة وطموح الحركة الصهيونية المحموم التي كانت تدعو إلى إقامة وطن قومي لليهود، فكانت فلسطين المحتلة من بريطانيا، أحد أهم البدائل لإنشاء هذا الكيان المخلّق من تزاوج حركة الاستعمار والرغبة الأوروبية في حل المسألة اليهودية كمشكل أوروبي من جانب ومشروع الحركة الصهيونية من جانب آخر، فابتليت منطقتنا العربية بهذا السرطان الذي زرع عنوة للعمل على تقسيم المنطقة وتجزئتها ووضع فيتو ضد وحدتها ونهوضها، فأول دولة اعترفت بدولة “إسرائيل” بعد عام 1948 كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، إذ زودت دولة الكيان بكل أسباب البقاء والحماية (الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي والعسكري)، وضمانة وجودها أمنيا، أقوى من كل جيرانها مجتمعين.
ولاستمرار هذا الدعم ونجاح العلاقة الوظيفية للكيان الصهيوني عملت الحركة الصهيونية للتغلغل في مناحي الحياة الأمريكية فسيطرت على المال والأعمال والإعلام ومراكز صنع القرار ومراكز البحوث والجامعات.
ونتيجة للحياة السياسية الأمريكية وسيطرة المال على الانتخابات؛ إذ تكلفة الحملة الانتخابية لعضو مجلس النواب لا تقل عن ثلاثة ملايين دولار وعضو الشيوخ أكثر من عشرين مليون دولار، وانتخاب الرئيس وحملته الانتخابية إلى مئات الملايين من الدولارات، وجد المال اليهودي طريقه للسيطرة على الكونجرس الأمريكي وعلى الحزبين الرئيسين الجمهوري والديمقراطي إذ يشكل تمويل اليهود للحزب الديمقراطي بـ 70 ٪ من ميزانيته، و30 ٪ من ميزانية الحزب الجمهوري إلى جانب وجود طائفة مسيحية إنجيلية يقدر عددها بأكثر من خمسين مليون نسمة تدعم دولة إسرائيل وتدعو إلى تجميع يهود العالم في فلسطين المحتلة كشرط لعودة خروج المسيح، ولهذا تعمل بكل جهودها لجمع التبرعات والدفاع عن إسرائيل وحمايتها من كل تهديد، هذا كله يؤكد أن وجود إسرائيل كقاعدة متقدمة في قلب أمتنا ومنطقننا حاجة استراتيجية أوروبية ومصلحة ونفوذ سياسي وديني أمريكي، فإسرائيل هي أمريكا وأمريكا هي إسرائيل.