طوفان الأقصى
ذكرنا الأسبوع الماضي أن طوفان الأقصى أفشل التطبيع وصفقة القرن واتفاق إبراهام، وأنهى اتفاقية (إسطبل داوود)، وأذكى الشعور القومي بأن الكيان هو العدو، وفرض معادلة للردع، وكسر هيبة الجيش الصهيوني، وأكذوبة الأمن، وعمق الشرخ داخل المجتمع الإسرائيلي، وشل الاقتصاد، وزاد الهجرة، واستولت المقاومة على كنز معلومات، وقلص الدعم الأمريكي لأوكرانيا.
ونضيف اليوم أنه وحَّد المقاومة، وأفشل تشويه الشعب الفلسطيني ووصفه بأنه عميل لمحاور. تجاوزت المقاومة القيادات السياسية الخائرة والخائنة أو المؤدلجة، فأمام الخطر الذي يهدد المصير المشترك تذوب الخلافات وتتهمش الأيديولوجيات، رغم أن الجهلاء والخونة والعملاء يحاولون شيطنة المقاومة، إن قوة الإرادة تحقق النصر، فبإمكانيات بسيطة وعقول مبدعة انتصرت على دولة نووية مدعومة من الناتو. وطردت روح الهزيمة من الوجدان العربي، أفشلت نظرية شارون (الكبار سيموتون والصغار سينسون)، فرغم استهداف الشباب بوسائل التغييب لم ينس فلسطين..
المقاومة تخفي مفاجآت للعدو، ولهذا خفف من درجات وعيده، أول الأيام هدد بسحق غزة، ثم تنازل إلى تهجير سكانها، ثم سحق حماس، والآن هبطت إلى تدمير البنية التحتية لحماس. الجيش الصهيوني منقسم والسياسيون منقسمون وأمريكا في ورطة، فإن حصل اجتياح ستنفجر المنطقة وتسقط أنظمة عربية وحكومات غربية، لأن الشعوب تغلي، وإذا تراجعت ينتهي الكيان لأنه يفقد مبرر وجوده. فلم يعد إلا القبول بحلول تشمل تنازلات قاسية بشروط المقاومة، وليس بشروط الصهاينة.
أمريكا قدمت عن طريق وسطاء عروضا بإطلاق جميع الأسرى (عربا وأجانب) بمن فيهم اليابانيون الذين نفذوا عملية مطار اللد عام 1972 وتفكيك مستوطنات غلاف غزة لتوسيع القطاع، وإنشاء مطار وميناء لغزة؛ مقابل استرجاع الأرشيف (دون نسخه)، وتحرير الأسرى، هاتان ورقتان ثمينتان في يد المقاومة، لولا الخوف من ذوي الأسرى لنفذ الصهاينة بروتوكول هانيبال ليحرقوا الأرشيف ويعدموا الأسرى لكي لا يضطروا للرضوخ لشروط المقاومة. عام 2011 أفرجوا عن 1027 أسيرا مقابل المجند شاليط.
المقاومة أظهرت أنها مستعدة لحرب طويلة، الكيان كان ينتصر بنشر الرعب والحرب الخاطفة، فلأول مرة تقصف جميع مدن الكيان، ويتم تهجير الصهاينة من غلاف غزة وشمال فلسطين ليعيشوا في مخيمات لجوء كالفلسطينيين (تهجير بتهجير ومخيمات بمخيمات). منذ يوم الثأر يعيش ثلاثة أرباع السكان في الملاجئ، وما يتبع ذلك من تكلفة الإيواء وشل للاقتصاد.
الآن أمام الإسرائيليين حلان لا ثالث لهما، فإما أن تقضي المقاومة على دولتهم ويعودوا إلى مواطنهم الأصلية، لتلاحقهم لعنة العقد الثامن للمرة الثالثة، (نبوءة الشهيد ياسين أن نهايتهم قبل 2027) وللتذكير أعلن ستالين عام 1928 أن بيروبيجان مقاطعة قومية لليهود بلغتهم (الايديشية) وفي 7/5/1934 تأسست جمهورية بيروبيجان، على الحدود الشرقية للاتحاد السوفيتي، وكان يفترض أن تستقل عام 1991 مثل الشيشان لكن الصهاينة عارضوا استقلالها لأنها تقضي على الفكرة الصهيونية.
الخيار الثاني أن يتم الاستماع إلى الأصوات التي تدعو لإنهاء سياسية التمييز العنصري، مثل منظمات ناطوري كارتا، و(IFNOTNOW)، ويهود من أجل السلام، ويهود من أجل فلسطين وغيرها.. بإقامة دولة ديموقراطية يتمتع فيها اليهود والفلسطينيون بحقوق متساوية، ولتكن (إسراطين) لأن حكومة المتطرفين دمرت حل الدولتين بتمدد المستوطنات في الضفة.
مع ذلك فهناك أخطار محدقة، فنحن انتصرنا في معركة حطين الثانية، لكن أمامنا حربا طويلة، فها هو الغرب يحشد أساطيله في شرق المتوسط، لحماية قاعدتهم في المنطقة، فأعطوها أولوية عن أوكرانيا. محتمل أن يجتاح الصهاينة غزة وتقوم هذه الأساطيل بتدمير لبنان وسوريا، وتهديد مصر لإجبارها على الرضوخ لقبول اللاجئين في سيناء.. روسيا قد تنشغل باجتياح أوروبا الشرقية والصين بالقفز على تايوان.
العقبات أمام الأعداء لتنفيذ هذا المخطط؛ هي الشعب المصري وجيشه وقيادته والقيادة السعودية الشابة، وقيادة الجيش الليبي، ولهذا التآمر عليهم على أشده، بمحاولات الإطاحة بهم أو جرهم إلى حرب غير واجبة مع الإيرانيين. أما بقية العرب فبين خائف وخائن وخائر، وصلت العمالة بإحدى الأرقوشيات بالخليج أن عرضت على مصر تصفير ديونها مقابل قبول اللاجئين في سيناء.. قواعد التحالفات والتحييد تحتم عدم استعداء إيران مهما حاول الأمريكيون تقديم معلومات مضللة لأطراف الصراع بقصد إذكاء الحرب. كما أن حماس اليوم ليست حماس 2011 فالكلمة للجناح العسكري، انفصلت أيديولوجيا عن التنظيم الدولي للإخوان، وانخرطت مع بقية الفصائل المقاومة. ومع ذلك هناك عوامل كثيرة للتوجس من عوامل قد تفقدنا إحدى المعارك.
خريطة المنطقة يجري تشكيلها والعالم منشغل، فهذه فرصة سانحة لتحرير الغرب الليبي من هيمنة الميليشيات والمافيات، والإسراع إلى تشكيل قطب عربي نواته اتحاد الجمهوريات العربية، الدولة المستفتى عليها شعبياً، والقائمة دستورياً.