مقالات الرأي

المعايير المزدوجة ومعيار المصلحة

ناصر سعيد

المعايير المزدوجة سياسة مارستها الدول الاستعمارية الغربية من الأحداث والصراعات التي تجرى في الساحة الدولية، وكنا ننتقد هذه الازدواجية التي أظهرت انحيازا لأطراف على حساب أخرى، نجدها تتعارض مع أبسط معايير العدالة والحقوق، وتنكر بشكل فظ الشرائع السماوية والوضعية التي تعطي الحق للضحية في مقاومة الجلاد والسعي وبكل السبل ومنها المقاومة المسلحة لتقرير مصيرهم.
هذا العالم الأعور الذي يعطي الحق لدولة الكيان الصهيوني (الحق في الدفاع عن نفسها) والثأر للانتكاسة والمهانة التي لحقت بجيوشها يوم 7 أكتوبر 2023، ورد الاعتبار لجنودها، وينكر على الشعب الفلسطيني أن يرد الاعتبار لكرامته المهانة منذ عقود من الزمان، هذه المواقف والسياسات لن تبدل من القوانين الطبيعية ولن تغير حقائق التاريخ والجغرافية، ولن تمنع تشكل نظام عالمي جديد تتبدل فيه مراكز السيطرة التي نراها تغادر بوجود قوى دولية أخرى ستكون أكثر عدلاً.
حتى لا نخادع الرأي العام من خلال وصفنا للغرب بازدواجية المعايير، في الواقع والحقيقة أن هذه الدول التي لم تتخل عن سياستها الاستعمارية نراها منسجمة مع توجهاتها وهي تدعم وتقف في صف العدوان الصهيوني انطلاقا من حماية مصالحها الذي تمثل فيها (إسرائيل) مركزاً متقدماً يوفر لهم التحكم في أهم مناطق العالم الذي يشكل عصب المواصلات ومنبعا لأكثر من ثلثي الطاقة، الغرب لا يرى إلا بعين واحدة هي عين مصالحه التي تغذيها أطماع استعمارية توسعية في مواجهة قوى صاعدة محتملة كالصين وروسيا وتكتل البريكس.
كان المأمول والمتوقع أن العالم بعد سان فرانسيسكو لن يكون كما كان قبله والخارج للتو من حرب عالمية تسببت في قتل الملايين من البشر وخلفت دماراً كبيراً بسبب سياسات استعمارية توسعية وصراع على المغانم والنفوذ وكانت شعوبنا أكثر الشعوب التي زج بها في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل، إلا أن النظام الذي تشكل ليحمي السلم والأمان ووقف الحروب وينهي الحقبة الاستعمارية تحول إلى نظام يشرعن للقتل ويعجز عن حماية المدنيين والتي صارت معيارا مزدوجا تستخدمه الدول الاستعمارية لتبرير غزوها للشعوب والبلدان وتدين به خصومها وتلبسهم تهم قتل المدنيين وانتهاكات حقوق الإنسان وتستخدمها حججاً وشعارات ترفعها في مواجهة خصومه المعارضين لسياستها الإمبريالية، وشهدنا هذه الازدواجية وهذا الاستخدام المفرط للقوة والقانون الدولي ومنظمات الأمم المتحدة عندما قاد حلف الأطلسي حرباً شاملة ضد ليبيا عام 2011 وخلق جملة من الأكاذيب واستخدم تقارير إعلامية مزورة وملفقة ولم نرهم يستخدمون هذه القوانين لحماية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة والتقارير حقيقية صوتا وصورة.
هل يمكن أن نسمي سياساتهم بأنها مزدوجة؟
في الواقع هم يمارسون سياسة واحدة، سياسة القتل والإبادة وحماية مصالحهم وبأي ثمن ودون مراعاة للقوانين الدولية التي تحمي المدنيين.

زر الذهاب إلى الأعلى