اخجلي أيتها الإنسانية
محمد عبد القادر
القيم الإنسانية قيم جامعة وغير متغيرة وتمثل ثوابت الإنسانية ودستورها القيم الذي يلقى التقدير والاعتراف والمشروعية من الإنسانية، الطمع والجشع وحب السيطرة والسطوة والنفوذ والهيمنة والتوسع تغييب لهذه القيم، فالظلم والاضطهاد والاستعباد والعنصرية وتجريد الإنسان من إنسانيته وحقوقه وكرامته التي منحها الله له بلا منة من أحد إلا هو سبحانه وتعالى.
الظلم هو الظلم، والعبودية هي العبودية كذلك مهما تعددت الأشكال وتبدلت الألوان والمبررات والحجج والأحوال، بمعايير الإنسانية جميعها، باستثناء قوى الشر التي استعرضنا سماتها المنحرفة أعلاه، وما تاريخ الإنسانية إلا مظالم تتلوها مظالم، وكفاح يعقبه كفاح ضد تلك المظالم، فالحرية قيمة عليا لا تمنح ولاتسلب تحت أي مبرر كان ووفقاً لكل الشرائع الوضعية والسماوية والأعراف المتسقة معها وكل الرؤى للحكماء والفلاسفة والمفكرين لأنها قيمة جامعة ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) في إشارة للفطرة والمنة الإلهية، والعبودية حالة طارئة وسالبة في حياة الإنسان وقاهرة له ومعطلة لإرادته وكرامته، والإنسانية تكفل حق الرد والكفاح بكل الوسائل للتحرر من هذه الحالة القاهرة والطارئة والمجحفة للإنسان أينما كان في أي زمان أو مكان تحت أي حجج أو مبررات أو دعاوى، كلنا يعرف إذا أراد، أن الرجل الأبيض( القوى صاحبة القرار والمكنة فيه) قد مارس منذ أربعة قرون كل أنواع البطش والقتل والتشريد والامتهان والعنصرية البغيضة غير المبررة تحت دعاوى الحق الإلهي في تمدين ونشر المسيحية المشوهة الخالية والمجردة من كل قيمها التي تتساوق مع القيم الإنسانية الجامعة وتؤكدها وترسخها، وقد أباد في سبيل تلك الدعاوى المخجلة أمما وشعوبر واستحل أرضها كما قال القس الجنوب أفريقي المقاوم” ديزموند توتو” حيث قال” أعطونا الإنجيل وأخذوا أرضنا وأموالنا” في صيحة من أجل الحرية يفضح فيها الرجل الغربي العنصري ومقاصده من التوسع والهيمنة والاستحواذ بالقوة بمبررات واهية.
إذا الرجل الغربي الأبيض وأقصد قوى الهيمنة فيه لانستغرب منه دعمه لما تقوم به الصهيونية في فلسطين لأنه: أولاً هو من زرع هذا الكيان في الوطن العربي لتعطيل فعالية الامة العربية والاسلامية، ثانياً : الحركة العنصرية الصهيونية ما هي إلا منظمة نشأت وتررعرت في أحضان الغرب فكراً وسلوكاً ومضامين وحججا ومعتقدات عنصرية واحدة، ومشروع الإبادة الغربي في أستراليا وأفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا حالات نموذجية تتزود منها الصهيونية بالمثال والممارسة؛ لذلك خطابنا هذا ليس موجه لتلك القوى العنصرية ولانرتجي منها شيئاً، خطابنا موجه إلى الإنسانية شعوباً ومنظمات ومفكرين وحكماء وفلاسفة وبشر يتمتعون بالحس والقيم الإنسانية الجامعة، أيتها الإنسانية اخجلي من الفلسطينيين العزل الذين يدافعون عن القيم الإنسانية ويؤكدون حقهم في الحرية وأرضهم وكرامتهم الإنسانية وحقهم في رد الأذى لمدة تزيد عن مائة سنة، يقومون بالكفاح بلحمهم ودمهم أمام آلة القتل الغربية البشعة وآلة إعلامهم المزيف للحقائق والمعتم لصور البشاعة والقتل والإبادة تحت نفس الدعاوى وبنفس الروح العنصرية لمشروع حضارة الرجل الأبيض، سيُكتب في تاريخ الإنسانية أن الإنسانية تخلت عن قيمها وتفرجت على إبادة شعب أتاه الشر إلى بيته ومنع من أن يقاومه، ألا تخجلي أيتها الإنسانية!!