مقالات الرأي

السيناريو الإسرائيلي الأمريكي للنكبة الثانية

محمد بوخروبة

ليس هناك أدنى شك في أن برك الدم هذه ستطوق رقاب القتلة والمتواطئين جميعا.. ستفتل من هذه الدماء حبالا غليظة وشديدة الوثاق لتعليقهم في السارية، هذا الدم الحار زيت باهظ الثمن سيضيء قريبا، ويبدد هذه الظلمة التي طال أمدها، وآن لها أن تولي غير مأسوف عليها.
لقد عكست تطورات المواقف العربية والإقليمية والدولية، وإنْ كانت لا تتلاءم وتداعيات الحرب المشتعلة في الأراضي المحتلة، جُملةً من التحولات تجاه القضية الفلسطينية، قد تُشكِّل ضغطًا على الإدارة الأمريكية لإعادة النظر في حساباتها تجاه الحرب الدائرة بشكل خاص، والصراع الفلسطيني لإسرائيلي بشكل عام، فمن ناحية وجود إجماع عربي شعبي، وانطلاق التظاهرات في عديد من العواصم العربية، وموقف رسمي واضح على رفض مخطط إسرائيل بدعم أمريكي، لتهجير الفلسطينيين قسريًّا وإعادة سيناريو النكبة، في مسعى جليٍّ لتصفية القضية الفلسطينية وإدخالها مرحلة اللاعودة، وكذا إجماع عربي على فتح الممرات الإنسانية لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
كما شكَّل قرار رؤساء كلٍّ من مصر والأردن وفلسطين إلغاء الاجتماع الرباعي الذي كان مقررًا انعقاده في العاصمة الأردنية مع الرئيس الأمريكي، رسالة عربية سياسية جماعية قوية وغير مسبوقة للتعبير عن الرفض العربي لمخطط التهجير ومنح الإدارة الأمريكية الغطاء للعدوان الإسرائيلي العنيف ضد الفلسطينيين العزل.
كما يوجد اتجاه إقليمي ودولي صاعد تمثله تركيا وإيران والصين وروسيا، إضافة إلى الموقف العربي من ناحية ثانية يرفض المخطط الأمريكي الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين، ويدعم تسوية القضية الفلسطينية على أساس حلِّ الدولتين، وإنْ كان لذلك امتداد للصراع الروسي والصيني مع واشنطن حول الحرب في أوكرانيا والقيادة الدولية، ففي مقابل إحباط واشنطن مشروع قرار روسي في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية في غزة امتنع الكرملين عن إدانة حركة «حماس» في هجومها المباغت على المستوطنين بغلاف غزة، كما يلاحَظ تغير في مواقف بعض دول الاتحاد الأوروبي تجاه دعم إسرائيل في عمليتها العسكرية على غزة بتشديدها على ضرورة حماية المدنيين والضغط على تل أبيب لفتح ممرات إنسانية لإدخال المساعدات.
وإنْ كان الخِيار المفضل بالنسبة لإدارة بايدن استمرارية الدعم المطلق لإسرائيل انسجامًا مع موقف الجمهوريين تجاه إسرائيل في حربها ضد «حماس» مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، فضلًا عن تعرض الرئيس بايدن لسيل من الاتهامات والانتقادات في الداخل والخارج بأنه أعطى تل أبيب الضوء الأخضر لشنِّ الحرب العنيفة على غزة، بل وحرَّضها على قتل الفلسطينيين.
ختامًا على ما يبدو، أن السيناريو الذي رسمته تل أبيب بداية الحرب على غزة، بأن التوقيت بات سانحًا لتصفية القضية برمتها عبر عملية عسكرية تضع أهل القطاع أمام خِيارَي الموت أو التهجير القسري بدأت غيومه تتلبد، إذ بدأت واشنطن وتل أبيب تدركان حجم التكلفة، فقد قوبل المخطط الأمريكي الإسرائيلي برفض عربي قاطع، مع تحذيرات إقليمية من اتساع نطاق الحرب، ورفض بعض القوى الدولية الداعمة لتسوية القضية على أساس حلّ الدولتين، ويعكس ذلك تأخير عملية الاجتياح البري للقطاع على غير ما كانت تخطط له حكومة الحرب الإسرائيلية، وقبول تل أبيب بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وصمود أبناء القطاع أطفالًا وشبانًا وشيوخًا ونساءً أمام آلة القتل الإسرائيلية الغاشمة، ما يعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة ويبث رسالة واضحة إلى إسرائيل وداعميها بأن الخيار العسكري ليس الخيار الأمثل لتحقيق السلام، لا سيما على ضوء فشل العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة على غزة كافة في تحقيق السلام للإسرائيليين، كما يخلق حالة من الزخْم العربي والإقليمي والدولي تجاه القضية الفلسطينية يعيد ترتيبها على رأس قائمة القضايا الدولية المهدِّدة للسلم والأمن الإقليميين والدوليين مجددًا.
كما يعاد ترتيب صفوف بعض القوى الدولية لتأييد المبادرات العربية والدولية الراغبة في حلِّ الدولتين، على عكس ما كانت تخطط له واشنطن وتل أبيب في تصفية القضية الفلسطينية.
وهنا نتساءل: متى تدرك تل أبيب مصداقية التحذيرات العربية من مغبة عدم تسوية القضية الفلسطينيين وتداعيات ذلك على إقامة علاقات عربية إسرائيلية؟ ومتى ستدرك إسرائيل أن أطفالها لم يهنؤوا بالنوم كما يقول الرئيس الكولومبي، ما دام لم يهنأ أقرانهم الفلسطينيون بالنوم؟ ومتى ستدرك بنفس القدر أن الخِيار العسكري لم يجلب السلام والأمن للإسرائيليين، وأن الوقت قد حان للمُضي في الخيارات الدبلوماسية والسياسية لتسوية القضية؟

زر الذهاب إلى الأعلى