تحرير “فشنك”! وتحرير بالدم!
مصطفى الزائدي
في 23 أكتوبر 2011 بعد يومين من قتل القيادة في سرت جُمع الناس على عجل، وأعلن يوما للتحرير! تحدث الرئيس مطولا متحدثا عن منع تعدد الزوجات، وأعلن إلغاء القوانين الدكتاتورية التي تقيده، ووسط هتافات المغيبين، بشر الحضور بالزواج بأربع تنفيذا لمبادئ الحرية التي رفعتها الثورة المجيدة! وكان عبيطا أرعن يهتف بغباء “ارفع رأسك فوق أنت ليبي حر!” انتهى المهرجان وذهبت خطابات التحرير أدراج الرياح كما يقال! وانطلق مهرجان التمشيط وجمع الغنائم..
واصطدم الشعب بالواقع المرير، فمن حاول رفع رأسه تلقفته سيوف المجاهدين بقيادة فضيلة لورانس المغرب العربي ليفي، وأنشئت مذابح سيق لها الأبرياء ونقلت صورهم بالصوت والصورة، وصار بعض من قادة الثوار المزعومين هدفا لمجموعات الساديين المرضى مصاصي الدماء! فقتل الصحفيين ومنهم مفتاح بوزيد الذي قدم نفسه كناطق باسم التحرير، ومزق جسد سلوى بوقعيقص أشلاء كما كان قد حددها الشهيد قبل أيام معدودة من الأحداث، وكأنه يرى ما سيفعلونه بها! وتحولت ليبيا غير الحرة سابقا! إلى وكر للمجرمين والإرهابيين من كل العالم، ودمرت مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، واستبدلتها بمجموعات إجرامية مسلحة، وفتحت البلاد أمام كتائب من مخابرات الدول الأجنبية، ونُصبت سلطات من مجرمين ولصوص وعملاء، وعادت القواعد العسكرية الأجنبية علنا، وتسلم السفراء والقناصل مقاليد السلطة الفعلية، ووضعت البلاد تحت الوصاية بإخضاعها للفصل السابع من ميثاق هيئة الأمم، ورهنت الثروات الليبية للمافيات الدولية، والدول الغربية المتنفذة تحت تسمية المجتمع الدولي، ونهبت الأموال وأُهدرت بأمر من لجنة الترتيبات المالية المشكلة من سفراء الدول المسيطرة عمليا على ليبيا، وجرت عمليات خطيرة للتغيير الديموغرافي بحيث تصبح ليبيا وطنا بديلا للمهاجرين إلى أوروبا، وفقا لوعد الطليان المشابه تماما لوعد بلفور الذي وعد اليهود بفلسطين وطنا بديلا، وبدأ تنفيذ مخططات جهنمية لتقسيم ليبيا على أسس جغرافية “فكرة الأقاليم التاريخية” وقبلية بطرح مشروعات السكان الأصليين المشبوهة “الأمازيغ والتبو”، وجهوية بتبني أطروحة الشمام، المدن المنتصرة وتقديم امتيازات لسكان مناطق دون غيرهم! هكذا هو التحرير الذي أعلن في أكتوبر 2011، ولا يزال بعض السطحيين يحتفلون به من باب العناد والمكابرة!
تحرير أبسط ما يوصف به أنه تسليم الوطن لأعدائه والقضاء على حريته واستقلاله وسيادة شعبه! إنه تحرير “فاشنك” بالمصطلح الليبي! لكن للوطنيين الليبيين رأيا آخر دائما، فلقد قام الضباط الشجعان بإطلاق ثورة تحرير حقيقية عام 2014، عنونوها بثورة الكرامة، وقدموا دماءهم الزكية في سبيل تحرير الوطن من السطوة الأجنبية المتمثلة في الوجود المباشر أو من خلال سيطرة الإرهابيين والمجرمين، ونجحوا بتوفيق من الله في تحرير مساحة واسعة من ليبيا، وهم مستمرون في تحرير الوطن بالدم! ويلحق بهم رجال وطنيون ربما اختلفنا معهم في يوم ما، لاستكمال التحرير الحقيقي، فانتفضت الزاوية ومدن الجبل الغربي ورشفانة، واليوم يأتي صوت نقدره من مصراته في نفس الاتجاه!
لا يمكن أن تتغير معاني الكلمات فما بالك بمضامينها، فليس للحرية والتحرير إلا معنى واحد مهما حاول العملاء المخادعون لي رقاب الكلمات! شتان بين مقاومة الأعداء وطردهم، وبين العمالة لهم وتمكينهم من البلدان!