القبيلة خارج بناء الدولة الوطنية
عبد الله المقري
التسويق للقبائل والتخندق وراءها يقود إلى عصور التخلف والفوضى والمحاصصة في العمل السياسي والتنموي، كما أنه يورط القبيلة في أعمال إرهابية، ويوفر مساحة واسعة من الصراعات والتقاتل، ويغري الجهلة والرجعيين بإرباك عمل الدولة، وحتى مقولة “إن القبيلة هي مظلة اجتماعية” أصبحت غير دقيقةـ وهي في الأصل غير دقيقة! وفي علم الاجتماع أصبحت القبيلة في هذا العصر عند بعض المناطق المتخلفة وخاصة في الوطن العربي وسيلة للتباهي والعنصرية.
وفي ليبيا يخشى أن يقوم البعض بتوريط القبيلة بالفعل في المؤامرة على القوات المسلحة العربية الليبية والأجهزة الشرطية والأمنية والدولة بصفة عامة، كما تورط بعض شيوخها في المؤامرة على الشعب الليبي وعلى الوطن في 2011. وأنصح قادة الرأي العام والقوى الوطنية بالتخلص من مؤثرات القبيلة، وأن ينخرط الناس في العمل السياسي من خلال الأدوات التنظيمية التي توفر الممارسة السياسية وفق الآليات المعروفة في تحقيق الديمقراطية، وهذه الأدوات المتمثلة في الحركات السياسية والأحزاب كأداة تغيير سياسي واجتماعي وفي التشريعات التي يتم اعتمادها إلى مرحلة وصول الشعب إلى صيغ تنظيمية للتغيير وبناء الدولة الوطنية المدنية التي تتكامل مؤسساتها المدنية التي يصبح القانون والقضاء والمؤسسات الرقابية أداة الفصل في ردع الأعمال الإجرامية، ومنع الفساد والرشوة والاختلاس والتعدي على حقوق الناس وحرياتهم وفق التشريعات السياسية والاجتماعية، ووفق الحرية التي تكفل للناس التكيف مع الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمن حق الناس في العمل والمعتقد والتملك والتنقل، وأهم ذلك عدم المساس بحرية الناس في الانضمام لمؤسسات سياسية تحقق المنفعة المشروعة والمصلحة وفق التشريعات المعمول بها، والتي هي من قبل الشعب صياغتها وإقرارها ضمن مؤسسات تشريعية وتنفيذية تتطلب روحا معرفية لها حرية الإبداع وفق تفكير حر يعتمد النهج التنويري وينظم حياة الناس ويشرعن علاقاتهم الحياتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وعطفا على ما سبق فإن البشرية مرت بمراحل، اعتمدت فيها صيغا ثابتة لصالح تقدمها، حيث مر التعليم بمراحل حتى وفر طرق البحث والفكر الاقتصادي والاجتماعي وقدرة الإنسان على الوصول إلى آفاق واسعة أعطت ثمارها في صحة ومعيشة الإنسان وتقدم الأسرة والمجتمع بتقدم التعليم، حيث وصلت العملية التعليمية إلى مستوى عال من التقدم في مجالات حياة الشعوب والأمم، وتحول العلم للرفع من قدرة الإنسان إلى معطيات متقدمة جعله يصل إلى القمر والمجرات البعيدة، وآخر مراحل هذا التقدم العلمي المهول تلك الأقمار الصناعية ورحلات اكتشاف الفضاء وعلم الإنترنت والطائرات غير المأهولة والطابعة ثلاثية الأبعاد والذكاء الصناعي، وأصبحت الأمم تنتقل إلى تحقيق الأهداف الوطنية بأدوات حديثة توفر الجهد والوقت وتجابه مشاكلها الحياتية وصعابها الاقتصادية بأسس علمية ومهنية، وأصبحت الدولة سلطة توجيه وإشراف، وجعلت المبادرات الجماعية شراكة مع السياسيات الحكومية في دفع التقدم والرقي.