مقالات الرأي

في الذكرى الثانية عشرة لصعود روحه وتغييب جسده صلاح بادي يلتقي بمعمر القذافي على درب السيادة

محمد عمر بعيو

من صفحته الشخصية بموقع ” فيسبوك”

تعلمت وتعودت ألَّا أقرأ التاريخ باعتباره أحداثاً انقضت ووقائع انتهت وأشخاصاً غابوا وذكريات مضت، فتلك القراءة أراها مسطحة ترى بالبصر ظاهر التاريخ الموصوف، ولا تنفذ بالبصيرة إلى جوهره العميق، بل أنْ أقرأ التاريخ باعتباره حياةً متجددة تعيد إنتاج ذاتها كل حين، ليس كلما تشابهت المعطيات والظروف، بل كلما جرت استعادة مواقف ووقفات شخوص التاريخ، مِن آخرين لا يماثلونهم اسماً ورسماً، بل قد يكونون مناقضين ومعادين لهم في زمن ما، لكنهم يتماثلون، بل أحياناً يتماهون معهم مواقف ومواقع، في لحظةٍ تاريخيةٍ مُستعادة، قد تكون بعيدة زمنياً عن سابقتها المماثلة لها بسنين طويلة.
بهذا الوعي المتناسق والمتّسق وغير الملتبس، قرأتُ اندفاعة اللواء صلاح بادي (المعاقب دولياً كما يطيب له وصف نفسه)، أمس نحو الكلية الجوية في مصراتة، مطالباً للمرة الثانية وبقوةٍ وعنف هذه المرة، بخروج وجلاء القوة العسكرية الإيطالية الاستعمارية، التي تتخذ من تلك القلعة الوطنية العسكرية وكراً لها، تمارس من خلاله أعمالا تنتهك السيادة الوطنية، وتهين كرامة مصراتة وأهلها أحفاد الرجال الميامين الذين قاتلوا الغزاة الطليان قبل قرن من الزمان.
ربما لم ينتبه صلاح بادي ولم ينبهه أحد، إلى أن يوم الجمعة الماضي 20 أكتوبر يصادف الذكرى الثانية عشرة لاغتيال معمر القذافي -رحمه الله- في سرت سنة 2011، وتغييبه ورفيقه المرحوم الفريق أبو بكر يونس جابر وابنه المرحوم الدكتور المعتصم بالله في قبور مجهولة أو لعله قبر واحد، لا يعرف مكانه كما يقال إلا قلة قليلة على رأسهم الطيار صلاح بادي، ابن المؤسسة العسكرية الليبية، قلعة الوطنية في كل العصور والأنظمة والأزمنة.
لا أحد أكثر ولا أسبق حيّا وأحيا ذكرى رحيل معمر القذافي (اتفق معه من اتّفق واختلف معه من اختلف) أكثر ولا أوفى من مُغيّبه في مجهول المكان معلوم المقام صلاح بادي، حين استعاد الموقف الوطني للقائد الراحل ضد القواعد الأجنبية وبقايا المستعمرين الغزاة، ليقول للتاريخ ولليبيين وللعالم، إن الوطنية الليبية لا ترتبط عضوياً بأشخاص بعينهم، إذا رحلوا رحلت معهم، بل هي جينات متجددة في ذات وروح كل ليبي، مهما توالت الدهور وتعاقبت العصور.
هل يعلم صلاح بادي أنه بعفويته ووطنيته واندفاعته، وحتى أحياناً ببساطته الإنسانية وسذاجته السياسية، أعاد أمس كتابة السطر المفيد الوحيد الذي تجمعنا كلماته ومعانيه جميعاً، مهما اختلفنا وتناقضنا نحن الليبيين “ولا نستثني منّا إلا الخائنين العملاء اللقطاء الفاسدين مثل الذين هاجمهم وشتمهم صلاح بالأمس على أبواب الكلية الجوية”، ذلك السطر الجامع المانع، قليلةٌ عباراته كبيرةٌ معانيه يقول بلسانٍ فصيحٍ مُبين: “سيادة لــيـبـيــا واستقلالها أولاً، وقبل كل شيء، وكل ما تبقى بعدها مجرد هوامش صغيرة على المتن الكبير”.
وطنيتكم أيها الليبيون هي بعد ديِنكم الحنيف محجّتكم البيضاء، تمسكوا بها لِتنجوا من الهلاك، ولتخرجوا ومعكم لــيـبـيــا من غيابات الجُب إلى أديم الأرض، ومن غياهب العدم إلى أحضان الوجود.

Back to top button