مقالات الرأي

بين مدريد وغزة.. تصفعهم الفلسطينية

عفاف الفرجاني

قررت الابتعاد قليلا عن ممارستي اليومية للعمل الصحفي، وما أدراك ما العمل الصحفي وما يحويه من انفعال نفسي أكثر من المجهود الفكري في نقل الأحداث وإبرازها وتحليلها، إلا أنه سرعان ما تلاشت فكرة الاسترخاء والهدوء النسبي، بعد أحداث غزة الأخيرة والمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني في أهلها، لوهلة قلت لا أملك ما أقدم لأهلنا في غزة إلا الدعاء والكتابة لعل كلماتنا المنددة تصل بهذا العدوان الغاشم إلى العالم ويعرف حقيقة هذا الكيان الهمجي القاتل، بينما كنت في باحة الفندق في العاصمة (مجريط) كما يروق للعرب القدماء تسميتها قبل أن تتحول باللاتينية إلى مدريد، كنت ابتعدت عن الفيسبوك ومنصة الإكس لأكون أقل انفعالا في إجازتي، عندها قررت متابعة التيك توك كونه التطبيق الوحيد الذي لا اختيارات إجبارية فيه، فهناك الحرب وهناك الثقافة وهناك الحب وهناك السطحية.. الخ.
من أول مشاهدة لأول مقطع تيك توك ظهر لي بث مباشر لأكبر مظاهرة ضد الاحتلال الصهيوني أمام السفارة الإسرائيلية في مدريد، عندها لم أراجع نفسي لحظة لإقرار الذهاب من عدمه، ركضت نحو الشارع الرئيسي لأستقل (تاكسي)، وفور ركوبي السيارة قلت للسائق.. السفارة الإسرائيلية من فضلك، ظهرت علامات الاستغراب على وجه السائق ليفتح الموقع الذي يبعدنا مسافة اثنتين وعشرين دقيقة.. وصلت إلى المكان عند الساعة التاسعة مساء، وكانت الشرطة الإسبانية تطوقه.
دخلت بين المتظاهرين وبدون سابق معرفة، حيث تقريبا الجميع يعرفون بعضهم، وهذا ما لاحظته، أخذت أردد الهتاف بحرقة معهم دون وعي مني، وكأني في بلادي ليبيا وبين أخواتي أبكي وطني، فاجأتني سيدة بسؤالها: هل أنت من جماعة المدرسة؟ كون التجمع كان خليطا بين فئات مختلفة من العرب والفلسطينيين بالعاصمة الإسبانية، قلت لها أنا سائحة ليبية ولكن اليوم أنا صحافية عربية أحمل ما تحمله الفلسطينيات من مبادئ وقيم تجاه قضيتهن، ومستعدة لأي مشاركة معكم في أي عمل يخدم فلسطين والمقاومة، وفلسطين في القلب مهما كانت مصائبنا وهمومنا تبقى القضية الأم، أخبرت صديقاتها بذلك، جاءت الأولى صافحتني وأعطتني الكوفية الفلسطينية، وجاءت الأخرى أعطتني العلم.
كنت في ملحمة ثورية عربية تحمل من الوجع ما جعلني أعود إلى اثنتي عشرة سنة من ذات الوجع عندما كنا تحت قصف النيتو الكافر ونصرخ أمام العالم لتوضيح الحقيقة، لم أستغرب حينها صمود المرأة الفلسطينية وهي تقف مقابلة للسفارة الإسرائيلية وهي لاجئة في بلد أجنبي تطرد منه في أي لحظة، لم يصدمني ثباتها وهي تواجه البوليس الأجنبي لتحاول تخطي الحاجز والدخول إلى مبنى سفارة العدو المحتل، هي ذاتها المرأة الفلسطينية في غزة أيقونة العمل النضالي التي أنجبت المناضلين وقدمت الشهداء، وهى السند للثائر، هذه المرأة الاستثنائية هي أول من قال لا عام 1925 احتجاجا على زيارة وزير الخارجية البريطاني آنذاك “بلفور” إلى القدس، وعندها انطلق الحراك النسائي وتأسست الجمعيات والمؤسسات النسائية من أجل قضيتهن، ولم تخل سجون الاحتلال من الأسيرات الفلسطينيات، وهذا ما يذكرنا بأبريل عام 1970 حيث الإضراب الجماعي للأسيرات الفلسطينيات عن الطعام بكل شجاعة وإصرار في محاولة منهن لتوصيل صوتهن للعالم، ومنها عرفت القضية الفلسطينية عالميا بأن هناك بلدا محتلا تئن فيه المرأة الأم والزوجة والأخت.
اليوم وإلى هذه اللحظة لم يستطع هذا العدو صد عزيمة المرأة الفلسطينية، وأن يجعلها ترضخ له رغم القتل والهدم والتهجير والاعتقالات، ولا تزال الفلسطينية تزف أبناءها وزوجها بثوب الكرامة إلى مخدعهم الأخير عند ربهم هاتفة بأعلى صوت:
الثار الثار الثار الثار
ردوا ردوا يا ابطال
دم الشهدا بيغلي نار
الموت الموت ولا العار

Back to top button