المجازر في غزة تسقط الشَّرعية عن النظام الرسمي العربي
ناجي إبراهيم
المواقف الأمريكية والغرب الاستعماري من عمليات القتل والإبادة التي تنفذها الآلة العسكرية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة ليست مستغربة، وتنسجم مع فكرهم وثقافتهم الاستعمارية الإجرامية، الكيان الصهيوني هو فكرة ومشروع استعماري وظيفي يخدم المصالح الاستعمارية في المنطقة، لا يمكن أن نتوقع إدانة أمريكية للجرائم الصهيونية في فلسطين وهي الدولة التي قامت على جماجم أمة الهنود الحمر في أكبر عملية تطهير عرقي وإبادة جماعية، والتي استخدمت القنابل والأسلحة المحرمة دولياً في حربها على الشعب الفيتنامي، وأول دولة في العالم تستخدم السلاح النووي ضد مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين دون مراعاة لأرواح الآمنين، ودأبت على استخدام الأكاذيب لتبرير تدخلاتها العسكرية في دول مختلفة من العالم، ولم تتورع عن قتل المدنيين وهي تستهدف ملجأ العامرية في بغداد في حرب الخليج عام 1991 لتقتل الآلاف من الأطفال والنساء الذين كانوا يحتمون به من صواريخها الفتاكة والمحرّمة.
قادة أوروبا في تماهٍ مع السياسات الأمريكية التي تتقاطع مع سياساتهم الاستعمارية، وقفوا صفاً واحداً في تأييد الجلاد بزعم (حقه المشروع في الدفاع عن النفس) وأدانوا الضحية الذي يحصد ثمار ما زرعته أيادي الاستعمار البريطاني ووعدها المشؤوم الذي صنع للصهاينة وطناً قومياً على حساب أصحاب الحق والأرض الذين يتعرضون إلى نكبة أخرى هذه الأيام أخطر وأشرس من نكبتهم عام 1948، هم بذلك يبيضون صفحاتهم التاريخية الاستعمارية من خلال تبرير الجرائم الصهيونية ويعتبرونها حقا ومشروعا حتى تصبح ممارساتهم الإجرامية ضد شعوب العالم مشروعة ومبررة وكانت واجبة وضرورية، وقطع الطريق أمام الأصوات التي تطالب بضرورة محاكمة الحقبة الاستعمارية ووجوب اعتذارهم عن الجرائم والفظائع والمعتقلات وسياسات النفي والتهّجير التي مارستها آلياتهم العسكرية ضد بلدان الجنوب والتي تأذت وتضررت من سياساتهم.
إذن الولايات المتحدة وأوروبا هم شركاء للصهاينة في عمليات الإبادة والتطهير العرقي التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وتستخدم القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومنظمة الأمم المتحدة بما يخدم هذا السلوك العنصري العدواني، ويوفرون جميع أنواع الحماية للعدوان ويتكتمون عليه حتى يتم دون شهود من خلال التحكم فيما تبثه وسائل الإعلام التي صيروها ذراعاً من أذرع الحرب والعدوان على فلسطين من خلال تبنيها وجهة النظر الصهيونية وطمس الحقائق المخجلة التي ترتكبها آلة قتلهم التي لم تستثن حتى المستشفيات ودور العبادة والمدارس، ولم تفرق بين طفل وشيخ وامرأة، فجميعهم تطاله سكاكينهم ومحارقهم، ولم يكتفوا بحصارهم الغاشم الظالم الذي امتد لأكثر من ثمانية عشر عاماً وما يشكله من عمليات قتل وموت بطيء، ولم نر منهم أحداً ومنظماتهم الحقوقية والإنسانية يرفع صوته ويصف هذه الأوضاع بأنها جرائم ضد الإنسانية وبضرورة معاقبة مرتكبيها وفقاً للقوانيين الدولية، سعي محموم بل بلغ حد الهستيريا من طرف الأوروبيين وأمريكا لحماية إسرائيل يُظهر الارتباط العضوي والوظيفي الذي يربط هذا الكيان المصطنع بالدوائر الاستعمارية الغربية، ويكشف جليا الانحياز الأعمى لهذا الكيان دون أي اعتبار للعلاقات التي توصف بالتاريخية مع بعض الدول العربية والتي باتت مكشوفة أمام شعوبها وأصبحت عاجزة عن تبرير استضافتها للقوات والقواعد الأمريكية والأوروبية على أراضيها.
الانحياز الأطلسي عرّى حكومات التطبيع التي ربطت هذه التوجهات وحماية حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية التي باتت في مهب الريح أمام العدوان الصهيوني الهمجي والبربري الذي يهدف إلى تفريغ فلسطين من سكانها، تصريح بايدن (لو لم توجد إسرائيل لأوجدنا إسرائيل) لم يكن هذا هو التصريح أو الاعتراف الوحيد وليس مستغربا، ولكن لأول مرة يأتي على لسان رئيس الإدارة الأمريكية وهو لا يزال يمارس وظيفته كسيد للبيت الأبيض، هذا التصريح يؤكد ما نؤمن به بأن دولة الكيان الصهيوني هي قاعدة متقدمة للاستعمار في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وجاء هذا الاعتراف ليفضح الكذبة التي قامت عليها دولة الكيان الصهيوني (بأن فلسطين دولة لليهود وفق طروحات توراتية مصنوعة)، ويشكل هذا الاعتراف الصريح من بايدن لطمة على وجوه المطبعين، ماذا سيقول المطبّعون لشعوبهم وشعوب الأمة بعد اليوم؟ هل بعد هذا الاعتراف سيمضون في مسيرة التطبيع مع العدو؟ هل سيستمرون في هذا المشروع وهم يشاهدون الجماهير في الشارع تؤيد حركة المقاومة الفلسطينية التي تخلى عنها النظام الرسمي العربي؟ ألا يعتبر هذا التصادم والتعارض بين إرادة الشعوب وقرارات الحكام نزعا للشرعية الشعبية عن هذه الحكومات وخاصة المطبّعة منها؟ هذا ما ستجيبنا عنه تطورات الأحداث في الداخل الفلسطيني وكامل الجغرافية العربية.