أحداث غزة.. خطوة أم خطة!
عبد المجيد قاسم
أتابع من كثب ككل عربي وكل مسلم، الأحداث في غزة، هذا الجزء من فلسطين المحتلة الذي خضع لتسويات أوسلو، تلك التي قفزت بالكيان الصهيوني خطوةً خارج دائرة المواجهة لتحرير الأرض الفلسطينية ككل، وأعطت الشرعية للكيان بصورةٍ نهائية على ما يسمى أراضي عام 1948، واختزلت القضية الفلسطينية في حدود العام 1967.
وكان هذا الأمر في العام 1997، وقد سبقته بعشر سنوات تقريبًا، أي في العام 1986 الغارة الجوية على طرابلس وبنغازي، وكانت أول غارة جوية خارج نطاق دول المواجهة على دولة عربية منذ الحرب العالمية الثانية، وكانت الأيادي الصهيونية وراءها، وقبل ذلك بعشر سنوات تقريبًا، أي في العام 1977 كان توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني، وقبله بعشر سنوات، أي في العام 1967 كانت حرب يونيو التي احتلت فيها إسرائيل قطاع غزة، والضفة الغربية لنهر الأردن، والجولان، وسيناء، وكان هذا تمهيدًا لما نحن فيه اليوم، وسبق هذا بعشر سنوات تقريبًا أي في العام 1956 العدوان الثلاثي على مصر الذي بموجبه أضحت مصر دولة مواجهة بشكل رسمي، وسبق هذا بعشر سنوات تقريبًا، قيام دولة الكيان في العام 1948، وسبقه بعشر سنوات تقريبًا الحرب العالمية الثانية، وقبله بعشر سنوات تقريبًا أي في العام 1929م المواجهات التي سميت بهبة البراق بين الفلسطينيين واليهود، وكانت إعلانا عن الجماعات المسلحة اليهودية، وقبل ذلك بعشر سنوات تقريبًا أي في العام 1917 كان وعد بلفور لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وقبل هذا بعشر سنوات تقريبًا كان مؤتمر كامبل بنرمان الذي عقد بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني واستمر انعقاده من عام 1905 حتى 1907، وكان هدفه الوصول إلى إيجاد آلية تحافظ على مكاسب الدول الاستعمارية، وكان تمهيدا لقيام الحرب العالمية الأولى، ومنح اليهود وعد بلفور، وقبل ذلك بعشر سنوات أي في العام 1897، كان أول مؤتمر قومي لليهود بقيادة داود هرتزل، وتم فيه اعتماد هذه الخطة العشرية التي سقناها في هذه الأسطر.
إن ما يحدث في غزة من عدوان سافر على المدنيين أوقع آلاف الشهداء من النساء والأطفال والشيوخ فضلاً عن الشباب، ليضعنا ويضع العالم في محك حقيقي، فسكوت العالم، وسكوت الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وسكوت جامعة الدول العربية عما تقوم به آلة الحرب للكيان الصهيوني في غزة، هو من قبيل المشاركة مع العدو في هذا العدوان، فعدم قيام من أنيط به واجب التدخل دوليًا لإيقاف الاعتداء في رقعة من الأرض مع القدرة على ذلك هو نوع من المشاركة، أو الرضا بما يحدث.
لكننا أمام ما نعلمه من مكر الصهاينة لا يمكننا التسليم بأن ما يحدث الآن في غزة هو من قبيل المصادفة، وأنه ردة فعل على ما قام به مقاتلو القسام الذراع العسكري لمنظمة حماس، ففكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء ليست وليدة اليوم، هذه الفكرة التي أعلنت مصر عن رفضها في اللقاء الصحفي الذي أجري مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الثلاثاء الماضي الموافق لتاريخ 17/10/2023، كما أن الأقمار الصناعية اليهودية والأمريكية التي تتجسس على كل صغيرة وكبيرة في المنطقة لم تكن في غفلة مما يحدث ويتم الترتيب له لاقتحام الجدار العازل، والهجوم على المقرات والمستوطنات التي تم الهجوم عليها في العملية التي قامت بها حماس.
بل إننا إذا راجعنا فاتورة العملية منذ بدايتها حتى اليوم، فسنجد أنها تصب في خانة الصهاينة ولا شك، سواء على مستوى الدماء التي سُفكت، أو البنية التحتية التي دمرت، أو الأهداف التي يمكن تحقيقها لكلا الطرفين، العربي والصهيوني، وحتى على مستوى الوعي الجمعي، فقد مرت على العملية العسكرية اليهودية ضد أهالي غزة فترة ليس بعدها سوى أن ترفع الأقلام وتجف الصحف، ولم يحرك العرب ولا المسلمون عمومًا ساكنًا، فلم يشهروا سوى سيف الإدانة على المستوى الرسمي أو تسويد صفحات الفيس بوك والتويتر والصحف التي لا يقرؤها أحد بعبارات التعاطف والرثاء من عامة الشعب!
إذن فليس أمامنا سوى أن نربط الأحداث، وأن نقول إن ما يحدث اليوم هو خطوة ضمن الخطة العشرية التي وضعها الصهاينة منذ أكثر من مئة عام، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى الوصول إلى قيام دولة الكيان الممتدة من النيل إلى الفرات، وهذا لا يعني أبدًا تسفيه المقاومة، ولا يدفع إلى الحث على التماهي مع الاحتلال، بل على العكس، فالاستمرار في المقاومة، وزيادة وتيرتها، وتحمل حجم التضحيات، هي أمور من شأنها إفساد تلك الخطة الشيطانية، فالعدو يتوقع أن يكون حجم التضحيات موهنًا للمقاومة مما يسمح له باستكمال خطته، لكنه لا يتوقع أن تستمر التضحيات، وأن تكون سببًا في انفجار الوضع، وأن يجر هذا عدم الاستقرار على كيانه مما يؤدي إلى نتائج لا يمكنه تحملها، كزيادة حجم الهجرة لديه، وانخفاض عملته، وفتور داعميه مع طول فترة المواجهة والتوتر.
والأمر يتطلب على الأقل أن تكون ثمة احتجاجات شعبية حقيقية في الدول العربية والإسلامية، وأن تأخذ منحى تصاعديًا، فهذا الأمر مقلق للصهاينة على المستويين الشعبي والرسمي، لأنهم باختصار يعيشون ضمن فضاء عربي وإسلامي، وأية احتجاجات شعبية حقيقية في هذا المحيط هي تهديد لوجودهم، لأنها ستكون إيذانًا بامتداد رقعة المقاومة إلى شعوب المنطقة.