انعكاسات طوفان الأقصى على القضايا العربية والصراعات الدولية
محمد جبريل العرفي
نتائج الحروب لا تقاس بمن انتصر؛ بل بمن حقق أهدافه منها، فلطوفان الأقصى انعكاسات إيجابية علينا، بغض النظر عمن سيكسب الجولة.
أول انعكاس: إفشال التطبيع، وصفقة القرن، واتفاق إبراهام، فكان الموقف الشعبي العربي موحدا رغم الاختلافات الإيديولوجية والطائفية، فلم يعد هذا سنيا أو شيعيا، والبرلمان الكويتي أنموذج، فأصدر قانون “إن إسرائيل دولة معادية ومن يحضر عقد اتفاقات أو صفقات مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها أو يعملون لمصلحتها”، العقوبة تصل إلى السجن المؤبد والغرامة المالية، وهددت السعودية بقطع النفط ونسف ملف مفاوضات التطبيع، وأعلنت أن اختيارها الانحياز لموقف الفلسطينيين ومصر، مما دفع الإسرائيليين لإخلاء سفاراتهم استباقاً لطردهم، ولرفع الحرج عن الحكومات.
قيادة مصر لم ترضخ للإملاءات، ولم تطمع في الإغراءات، أنهت عمليا اتفاقية (إسطبل داوود)، بنشرها الجيش الخامس بأكثر من ألف دبابة على حدود فلسطين، بالتوازي مع الجبهة الدبلوماسية كالدعوة لقمة إقليمية، فهل تذكرنا بقمة الخرطوم عام 1967؟ الشعب والجيش المصري والإعلام متوحد ومحتقن، فشرارة أي استفزاز إسرائيلي – ولو عرضيا- تشعل الحرب، لنتذكر المصري الغاضب محمد صلاح، وقبله سليمان خاطر في ذكرى العبور 1985.
ثانيها: إذكاء الشعور القومي الناصري بالعودة إلى فلسطين هو القضية، والكيان الصهيوني هو العدو، والأقصى هو الهدف والشعار، كما أحيا قضية القدس في وجدان المسلمين، واتضح أن الصراع (صهيوني – عربي إسلامي) أي بين الصهاينة من يهود وإنجيليين مسيحيين، وبين العرب والمسلمين، فقد حشدت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا أساطيلها، وهاجمت طائراتها غزة المحاصرة، وتعهدت بحماية الجبهة الشمالية من المقاومة ليتفرغ الصهاينة لحرب غزة، وسمعنا “لينسي جراهام” رئيس لجنة الخارجية الأمريكي يقول: “إنها حرب دينية”، وبلينكن يقول: “لست وزيرا للخارجية أنا مواطن يهودي مهجر”، وبايدن يقول: “حتى لو لم تنشأ إسرائيل لقمنا بإنشائها”، ويتملق بالمخالفة للدستور الأمريكي بأنه من مواليد فلسطين.
ثالثها: أذكى العداء التاريخي العالمي للصهاينة، فاختلفت شعوب الغرب مع حكوماتها، وظهرت شعارات عنصرية ضد الصهاينة، مثلما حدث في ألمانيا، مما أدى لتدخل القضاء لفك الاشتباك وألغى قرارات الحكومة، خوفا من انحياز أبو حمزة الألماني (بير فوجل) للمتظاهرين لأنه باستطاعته حشد ملايين المسلمين في ألمانيا. كما أن البرلمان الفرنسي أبطل قرارات الحكومة بمنع المظاهرات المؤيدة لفلسطين، واستقالات بالجملة في حزب العمال البريطاني، والذئاب المنفردة تشكل هاجس رعب للغرب.
رابعها: فرضت معادلة جديدة للردع، كسرت هيبة الجيش الصهيوني وإذلال قادته، وتحطيم الروح المعنوية لعناصره وهروبهم، فالتحق فقط 3% من جنود الاحتياط، وتجديد فضح أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر التي انتهت منذ حرب العبور.
خامسها: استيلاء المقاومة على كنز معلومات عسكرية بما فيها خطط اقتحام غزة وقوائم العملاء، وأسرها لعناصر تملك معلومات حساسة، لأكثر من أسبوعين كافيين لفك شفراتها وتفريغ أفرادها، هذه لا تضاهيها إلا خسارة المخابرات الليبية عام 2011.
سادسها: تعميق الشرخ المجتمعي الإسرائيلي، وتحطيم أكذوبة الأمن، فثلاثة أرباع السكان في الملاجئ، مما شل الاقتصاد، وازدادت الهجرة العكسية، قوائم الانتظار للطيران 870 ألفا، أي ربع السكان، وقبضت بحريتهم على قارب هجرة شرعية منهم، فأصدر البرلمان الأوروبي قوانين لاستقبالهم، ألمانيا جهزت مستشفى للجرحى والمرضى النفسانيين، كان مخصصا لعلاج ضحايا النازية من اليهود (متبق به منهم الآن 3 ضحايا فقط)، رأينا الشتم والبصق على وجوه أعضاء حكومة نتنياهو المتطرفة، الكيان أعُطي فرصة للانتقام؛ لكن طول المدة جعل الدول الغربية تتراجع خشية غضب شعوبها، المظاهرات عمت كل قارات العالم، تراجع ماكرون تحت وطأة الضغط الشعبي، وأمريكا خففت من لهجة موقفها، لدرجة أن الإسرائيليين صرحوا بأن بايدن انقلب علينا، وكولومبيا طردت السفير الإسرائيلي، وأرسلت سفيرها إلى رام الله.
سابعها: تقلص الدعم اللوجستي والمخابراتي الأمريكي لأوكرانيا، فنضب مخزون ذخائر الأوكرانيين مما مكن الروس من احتلال مساحات جديدة، في غفلة من الاهتمام الإعلامي المشغول بطوفان الأقصى، قريبا ستسقط مدينة “خاركيف” ثاني كبرى مدن أوكرانيا، ومتوقع أن ينهار الجيش الأوكراني، وتصل روسيا إلى حدود بولندا، لتعيد مجد الاتحاد السوفيتي، الملاحظ أن الانتخابات بدأت تفرز حكومات موالية للروس، مثل لاتفيا وبولندا، لأن الشعوب اكتشفت الدعوة الإمبريالية الزائفة للحرية والديموقراطية والرخاء، التي بدأتها بريسترويكا جورباتشوف.
ثامنها: الفرصة السانحة للم شمل الوطن وتخليصه من الميليشيات والدمامل (الخمسة)، التي تمص دمه وتمنعه من النهوض، فالعالم الآن منشغل بحروب وانقلابات وإمدادات طاقة لمواجهة الصقيع، وحلفاؤنا في أوج قوتهم، أي إنها لحظة تمفصل، إنها مسؤولية تاريخية للقيادات السياسية الوطنية وقواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية.