العرب مستهدفون
سيد العبيدي
لم تعد جل العبارات الحزينة أو حتى المنددة بما يحدث في فلسطين الجريحة كافية للتعبير عن حجم الأسى والشعور بالعجز الذي نعيشه في هذه الفترة العصيبة من عمر أمتنا العربية، فكيف أصبحنا بلا ضمير وبلا إنسانية وبلا نخوة وبلا قوة، تتلقفنا الأمم؟
ما هذا الخنوع الذي نغرق فيه؟ ولماذا نفعل ذلك بأنفسنا ونحن نمتلك كل مقومات الدفاع عن قضايانا ومصيرنا وحاضرنا ومستقبلنا؟ لماذا أضحينا بلا هوية وبلا حمية وبلا عقل وبلا مسئولية أخلاقية؟! إن ما تشهده فلسطين وقطاع غزة على وجه الخصوص ليس من أجل الانتقام من المقاومة الشعبية في فلسطين العربية، بل من أجل محو العقيدة الدينية للمسلمين.
نعم هذا واضح، واضح كيف تحارب إسرائيل ومن خلفها الغرب تحت شعار “الإبادة الجماعية للمسلمين”، بينما ذرائع تحقيق تلك الغاية كثيرة ومتنوعة وبلا نهاية، حتى أنهم سحبونا منذ زمن إلى فخ التناحر والتشكيك والانقسام والتقسيم، فلم نعد نمتلك القدرة على المقاومة أو الصمود، وبكل ضعف ننفذ ما يملى علينا بكل إتقان ودون تأخير أو تقاعس، وفي كثير من الأحيان ننفذ ما يمليه علينا الغرب ضد إخواننا وقضايانا وثقافتنا بمشاعر من الفخر ودون حمرة خجل، كيف تخلت أمتنا الإسلامية عن ماضيها العريق المشرف وغاصت في وحل الذل والعار والتبعية بكل طواعية وهي تلوح بشارة النصر الكاذب المزيف، مستندة في ذلك إلى ما يسمى الانفتاح والديمقراطيات الغربية المصطنعة وحقوق الإنسان تحت الطلب؟ أين العقل وأين الرجال وأين الشهامة والشجاعة من كل ذلك الانحطاط والركض دون معرفة أو تفكير؟
لن أقول إننا أصبحنا كالأنعام، نأكل ونشرب ونتمتع باللذات؛ لأن الأنعام تعرف طريقها، وتهتدي لما ينفعها، ولا تجلب الضر لنفسها، بينما نحن نغوص في مراكض الضلال وسوء السبيل، دون حياء أو استحياء، لن تحيا أمتنا بعزة وكبرياء، دون الرجوع إلى الله عز وجل أولا، والتوبة من الآثام والاعتصام بحبله المتين، لبلوغ الهدف وتحقيق غايات النصر والعيش بكرامة وعزة وفي منعة بين الأمم.
قضية فلسطين سخر الله لها من يدافعون عنها، ولن تموت، وهذا وعد الآخرة، وما وعد الآخرة إلا حق، لكن قضيتنا نحن الذين نتباكى على وسائل التواصل الاجتماعي كيف سننتصر ونحن نحارب في سبيل الدنيا ونكره الاستقامة والترفع عن المعصية، ما دمنا كذلك لن ننتصر ولن تقوم لنا قائمة، وسيظل أهل الشرك ينالون منا ومن أطفالنا ومقدساتنا وعروبتنا وهويتنا ونحن نشاهد وندعي الفضيلة في العلن وما تخفيه صدورنا تجاوز ما يفعله بنا العدو.
أما آن وقت رص الصفوف والوحدة والتكاتف والتعاضد من أجل مستقبل أمتنا، فطالما أن عدونا واحد وظاهر ولا يكترث أبدا لمعاناتنا، يجب أن نجعله يرى بعينه صحوة هذه الأمة التي سادت الأمم في عصور ليست ببعيدة، يجب أن يشاهد حجم الانتفاضة الشعبية في كافة أرجاء الوطن العربي الكبير من أجل فلسطين وشعبها وأطفالها ونسائها ومقدساتها، حتى يعلم أن العرب ليسوا مجرد رقم وأنهم قادرون على صنع المستحيل في سبيل عقيدتهم الشريفة الراسخة وهويتهم وثقافتهم ومستقبل بلادهم.