التجربة الإنجليزية الجندي البريطاني والعنترية “الجزء الأول”
فتح الله سلطان
منتصف ستينيات القرن الماضي كنت في أحد مقاهي مدينة طبرق صحبة صديقي أبوبكر، الغاني الأصل، الإنجليزي الجنسية، الجندي في القوات المسلحة البريطانية، وأثناء جلستنا معا تطرق الحديث إلى تواجد القواعد العسكرية البريطانية والأمريكية على الأراضي الليبية، فقلت وأنا أخاطبه يجب ترحيل القوات الأجنبية من ليبيا، وإن من واجبنا تحرير بلادنا وإجلاء القوات الأجنبية بالقوة والقتال والعنف، لأن هذه اللغة التي يفهمها المحتل ولو ضحينا بالرجال والشباب والغالي والنفيس.
كنت أتكلم بغضب وعصبية وعنترية، فقاطعني قائلاً: اسمح لي يا عزيزي أن أقول لك إنك أحمق وأغبى شخص قابلته في حياتي؟ عندها ازداد غضبي وانفعالي قائلا له: هل الذي يريد تحرير بلاده من المستعمر من وجهة نظرك أحمق وغبي؟ ولولا تدخل بعض الأصدقاء الذين حالوا بيننا لصفعته لقلة أدبه معي، لم يأبه لذلك وواصل حديثه قائلا: أرجو من كل قلبي أن تطردوا القواعد الأجنبية وتحرروا بلادكم الآن قبل غد، ولكن الطريقة التي تتحدث عنها سوف تؤدي إلى سفك الكثير من الدماء والقتل والدمار ولا يتحقق لكم ما تريدون، وأقولها بكل صراحة فأنتم لا تملكون حاليا عناصر النصر التقنيات العلمية والأموال، ويظهر واضحاً أن ميزان القوى يصب لصالح الأجنبي وليس لكم.
ثم واصل كلامه قائلا: اعلم يا صديقي أن الاستعمار البريطاني حكم بلاد ساحل الذهب لمدة ستة عقود والتي استقلت عنه عام 1957م وأصبح اسمها “غانا” لقد قاسى أهلي وناسي أسوأ صنوف العذاب والهوان، لقد حارب آبائي وأجدادي الاستعمار البريطاني لمدة طويلة، ولكن بطريقتهم الخاصة، فهم لم يشهروا السلاح في وجه البريطانيين ولم يقاتلوهم، ولكنهم نالوا استقلالهم بدون إراقة الدماء ولم يخسروا شخصا واحداً! فقلت له كيف ذلك لم أفهم؟ فقال لقد تعلم آبائي وأجدادي اللغة الإنجليزية وثقافتهم وبنفس اللغة والثقافة فاوضهم الآباء والأجداد وحصلوا على استقلال بلادهم بدون قتال ولا دمار ولا إطلاق طلقة واحدة، وبعد الاستقلال بنوا ورتبوا شؤون بلادهم حسب قِيَمِهم وثقافتهم المحلية، أما هدفهم من تعلم لغة وثقافة المستعمر فما هي إلا وسيلة للحصول على استقلالهم، وليست غايتهم تعلم اللغة، واختتم كلامه قائلاً ألا ترى يا صديقي أن طريقة آبائي وأجدادي أنجع وأسلم لتحقيق الاستقلال وبدون عنترية وعربدة ولا ندية، حتما سوف يؤدي هذا التهور إلى الموت والدمار والخراب وستبقى القواعد الأجنبية جاثمة على صدوركم ويكون أمر إجلاء القوات الأجنبية مؤجلا إلى حين إشعار آخر! الخلاصة يجب الأخذ بالأسباب والاستعداد للفوز في أي معركة، سياسية كانت أم عسكرية، تحت شعار وأعدوا لهم ما استطعتم!