طوفان الأقصى كشف سوءتهم
عبدالله الربيعي
ما بات الغرب الاستعماري يروج نظرية حقوق الإنسان والديمقراطية وحماية المدنيين من القمع والأعمال الوحشية والانتهاكات التي تمارسها الحكومات، وحماية الأقليات المضطهدة من ظلم الأكثرية النافذة، حتى صدّق البسطاء من الناس والمتهافتون والمنبهرون بأفكار الغرب ونظرياتهم من أبناء العالم الثالث (الليبراليين)، أن الغرب أكثر إنسانية، وأن حضارته نموذج يحتذى به، وأن شعاراته ودعاياته الإعلامية حقيقة ماثلة! وكنتيجة لنهاية الحرب العالمية الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، وانتصار الرأسمالية، شرعن الغرب (المليار الذهبي) مبدأ التدخل العسكري الإنساني، متخطيا مبدأ سيادة الدولة الوطنية على إقليمها وحرية اختيار شعبها لنظامه السياسي.
مبدأ عدم التدخل: وعرفت السيادة في ظل التدخل العسكري الإنساني من السيادة كسلطة إلى السيادة كمسؤولية، وشهدت العقود الثلاثة التي تلت نهاية الحرب الباردة عديد الحروب الأهلية والانتفاضات المسلحة، وحالة تشظٍ في مكونات الدولة الوطنية التي استقلت بعد حقبة الاستعمار خلال منتصف القرن العشرين والتي رسمت خريطتها وفقا لمخطط مسبق، خطه المستعمر نفسه، الذي سيتباكى على حقوق الأقليات وحقوق المدنيين لاحقا، فالتدخل الإنساني صيغ لا لحماية المدنيين وحقوق الإنسان، بل لتنفيذ أجندات المتدخلين لاستمرار الهيمنة، ورأينا ذلك في الحرب على العراق والصومال وأفغانستان وفي تفكيك الاتحاد اليوغسلافي، وأيضا أثناء تنفيذ مخطط الفوضى الخلاقة الأمريكية المعلنة، وخلق شرق أوسط جديد وفق الرؤية الأمريكية الصهيونية، والذي نفذ على الأرض من خلال ما يسمى ثورات الربيع العربي.
فحقوق الإنسان وحماية المدنيين وتحقيق الديمقراطية تصبح شغل الغرب الشاغل، ويجري التباكي عليها وتسخّر الأدوات الإعلامية والدعائية لها حين تخدم أجندات هيمنة أمريكا وحلفائها، وتغيب هذه الشعارات الإنسانية حين يشعر هؤلاء أن حماية المدنيين وحق المقاومة في الدفاع عن النفس المكفول في كل الشرائع والمواثيق الدولية؛ الدينية والوضعية سيستخدم ضد أطماعهم وضد مخططاتهم، فتسارع الأحداث وثورات الشعوب والنتائج المخيبة لتدخلاتهم السافرة واستمرار الأزمات عرّت الغرب وكشفت عورته، وباتت شعارته كعدمها وفضحت أخلاقيات الغرب ونظرياته، فما تشهده فلسطين المحتلة من جرائم وقتل للإنسان، كإنسان وتجريده من حقوقه الإنسانية وأبسطها حقه في الحياة على أرضه، يندى لها جبين الإنسانية جمعا، في ظل تغول القوة وهيمنها وتجردها من كل قيمة أخلاقية أو إنسانية، فالإنسان الفلسطيني في الضفة أو غزة الذي هجّر من أرضه وسلبت حقوقه وحُشر في قطاع ضيق من الأرض بين البحر والصحراء يقتل بالجملة دون هوادة وبالآلاف.
لقد تعرى دعاة حقوق الإنسان، ودعاة حماية المدنيين، وحرم المدنيون من الغذاء والماء والدواء، وضرب عليهم الحصار بتصريحات علنية من وزير الدفاع الصهيوني العنصري أمام العالم الذي يدعي الحضارة ويدعى التحرر! والعالم المتصهين يطلب من الضحية الاستسلام ورفع الراية البيضاء، ويطالبه بالنزوح عما تبقى من أرضه المغتصبة أو الإبادة الجماعية، فلم يبق لنا نحن الشعوب الصغيرة والمستضعفة إلا الوحدة والمبادرة والدفاع عن حقنا في الحياة وفي الوجود ضد الموجة الجديدة من الاستعمار، التي تأخذ شكلا جديدا لم نعرفه من قبل، والتي نزعت من وجهها الكريه كل قيمة أخلاقية وإنسانية.