مقالات الرأي

مخاطر الحرب في غزة على الاقتصاد العالمي

عثمان يونس

تشكل الحرب التي اندلعت بين حماس والكيان الصهيوني سلسلة جديدة كاملة من المخاطر على الاقتصاد العالمي الهش بالفعل، ويحذر الاقتصاديون من أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى تتضح تداعياتها.
هذه الأزمة غطت على الاجتماع السنوي المشترك لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي الذي انعقد خلال الأسبوع الماضي في المغرب، وبالتالي كان لها تأثير كبير على توقعاته للاقتصاد العالمي، الأمر الذي دعا رئيس البنك الدولي “أجاي بانجا” إلى القول “إنها مأساة إنسانية وصدمة اقتصادية لا نحتاج إليها”.
بدأ الأمر بعملية فدائية نفذتها كتائب القسام التابعة لحركة حماس رداً على تدنيس الصهاينة المسجد الأقصى وقتل أبناء الشعب الفلسطيني وحصار غزة المستمر، حيث بدأ باجتياح فدائيي حماس الجدار العازل بين غزة ومستوطنات الصهاينة المحتلين لفلسطين في السابع من أكتوبر الجاري، وأطلقوا العنان لموجة غير مسبوقة من الهجمات على المعسكرات والتمركزات العسكرية الواقعة في غلاف غزة، قُتل على إثرها أكثر من 1000 صهيوني، وأسر أكثر من 100 منهم، ومنذ ذاك اليوم والطيران الحربي الصهيوني يشن غارات جوية مستمرة حتى يومنا هذا، استشهد على إثرها ما يقارب 2500 شخص، أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وأصيب ما لا يقل عن 5000 آخرين حتى اليوم، ودمرت أحياء بأكملها ومباني على رؤوس قاطنيها.
وبينما كان العالم يراقب تلك الأحداث الدامية، قفز سعر النفط بما يصل إلى خمسة دولارات للبرميل، وانخفضت أسواق العقود الآجلة كما انخفضت قيمة “الشيكل”، وهو عملة الكيان الصهيوني، إلى أدنى مستوى له منذ سبع سنوات.
في المقابل وحتى اليوم كان رد فعل السوق ضعيفًا نسبيًا، لكن معظم الخبراء يعتقدون أن السبب في ذلك هو أنه لا أحد يعرف حقًا ما سيحدث في الأيام المقبلة، خاصة أن ما هو معروف ومسلَّم به في المراكز البحثية الاستراتيجية أن أي أحداث تجري في الشرق الأوسط هي دائمًا معرضة لخطر الانتشار واتساع نطاقها.
وفي تهديد صريح قال رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو بعد يوم من عملية حماس في غلاف غزة “إن حماس ارتكبت خطأ له أبعاد تاريخية، وستدفع الثمن الذي سيتذكرونه هم وجميع أعداء إسرائيل الآخرون لعقود مقبلة” (على حد قوله) إذ استدعت إسرائيل 300 ألف جندي احتياط، وحشدت الدبابات على طول الحدود مع قطاع غزة، كما تقوم الولايات المتحدة بنقل مجموعة حاملة طائرات إلى المنطقة لإظهار الدعم لحليفتها، في الوقت الذي تطالب فيه المجموعات الإنسانية بتوفير ممرات آمنة للخروج من غزة في ظل منع العدو الصهيوني إمدادات الغذاء والوقود والدواء من الدخول لغزة المحاصرة.
ويقول الخبراء إن كل ذلك يزيد من مخاطر احتمال اتساع نطاق الصراع الذي إذا ما توسع وضم أطرافا أخرى، فإن التوقعات تشير إلى اقتصاد عالمي أضعف، ومزيد من الضغوط التضخمية. وستجد الأسواق صعوبة في التعامل مع هذا الوضع.
في الوقت الحالي، يراقب تجار النفط الوضع مع بقية العالم غير متأكدين مما سيأتي بعد ذلك، فالصراع ينطوي على خطر حقيقي للغاية إذا ما جذب اثنين من أكبر موردي النفط في المنطقة وهما المملكة العربية السعودية وإيران إلى دائرة هذا الصراع، وهو أمر محتمل من حيث العلاقات القوية والدعم المستمر من إيران لحركة المقاومة في لبنان وفلسطين خاصة حركة حماس.
وفي هذه الأثناء، كانت المملكة العربية السعودية على وشك الانتهاء من اتفاق السلام والتجارة التاريخي مع الكيان المغتصب، بعد أن وقع هذا الكيان اتفاقيات تجارية مع البحرين والإمارات العربية المتحدة في عام 2020.
هذه الصفقة السعودية تضمنت زيادة إنتاج النفط، الأمر الذي من شأنه أن يخفض تكلفة الوقود للمستهلكين العالميين، لكنه من غير الواضح الآن ما الذي سيحدث عندما تطفو على سطح الصفقة السعودية عراقيل جديدة ستؤثر على سوق النفط العالمي.
إيران والمملكة العربية السعودية اللتان تميز إنتاج النفط فيهما بالتقلب خلال العام الماضي، هما اليوم الأقرب للدخول في دائرة الصراع بشكل واضح ويتم جرهما إليه لعدم إمكانية سكوتهما وسكوت باقي الدول العربية على ما يحدث من مجازر بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وحيث إن سعر النفط يرتبط بشكل مباشر بأزمة تكاليف المعيشة في جميع أنحاء العالم الغربي، فإذا ارتفعت أسعار النفط الخام، فهذا يعني أن المستهلكين يدفعون أكثر عند المضخات، الأمر الذي يزيد من ضغط التضخم على المستهلكين الذين يعانون منذ أزمة كورونا من موجات متتالية من التضخم استنفد معظم مدخراتهم.
وبعيدًا عن سعر النفط، فإن أسعار السندات ارتفعت أيضاً منذ بدء الأزمة، إذ بدأ المستثمرون البحث عن ملاذات آمنة مثل سندات الخزانة الأمريكية والسندات الألمانية، في ظل أجواء من عدم اليقين والحرب اللذين يؤثران كثيرا على التجارة العالمية، يحاول الناس معها اتخاذ جملة من الإجراءات الاحترازية التي يؤمل في أثنائها تجنب المخاطر.
وفي ظل ضبابية الصورة أيضاً بشأن هذه الحرب وتشعباتها فإن المستهلكين والمستثمرين وصانعي السياسات على حد سواء بحاجة إلى البحث عن فرصة حقيقية للخروج بأقل الأضرار، مع إدراكهم أنه مهما حدث، فإن حل هذه المشكلة سيستغرق وقتًا طويلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى