مقالات الرأي

مآلات القضية الفلسطينية وتوظيفها

محمد بوخروبة

لا نريد أن نراجع حسابات من تولى استثمار القضية الفلسطينية من فلسطينيين وعرب وأغراب على مدى ما يقارب القرن من الزمان، ممن عبأوا الكروش وعفنوا على العروش وملأوا البنوك والمصارف بالقروش، والثمن هو الاتجار بدم الفقراء والبؤساء الذين يستغلون بحمياتهم الوطنية وحماسهم العفوي البريء.
لا نريد أن نشير إلى أولئك بالاسم والصفة والمكانة فأغلبكم يعرفونهم لا سيما من لا يزال حيا وعاصر النكبة وشبه التحرير استثناء لبعض الزعامات التي كان لها دور مفصلي وتاريخي حي آنذاك.
القضية الفلسطينية باتت متجرا وبازارا وسوق نخاسة، ليس للعرب فقط وإنما لدول الجوار، تذكرني القضية الفلسطينية بعدة قضايا معاصرة من حيث الأوزار التي تتعرض لها من ائتلاف إلى فصائل مقاومة مسلحة مشتتة إلى محطات إعلامية لم يعد مدماكها بريئا، وأجرت محطاتها لمن يدفع أكثر، يعني بالمحصلة أمراضنا ليست جسدية وإنما نفسية وأخلاقية، لم نقارب الحالة الوطنية إلا بحالات فردية يتيمة، والطابع العام المتقدم هو طابع العواطف التي تتأجج إلى حين وتزول كالسراب بعد انتهاء مفعولها، والسؤال: هل وضع زلزال حماس نهاية لما سماها اليمين المتشدد في حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ إسرائيل فرصة لتطبيق أجندة اليمين والتي هي أن تحكم إسرائيل كل الأرض من البحر إلى النهر كدولة يهودية من دون فلسطينيين؟ وأين الأحلام من الواقع في قول نتنياهو عن الحرب على غزة أن نتيجتها ستغير الشرق الأوسط برمته؟
ليس جديداً حديث التغيير في الشرق الأوسط من قيام إسرائيل، والصراع العربي الإسرائيلي والحرب الباردة وصولاً إلى التطبيع مع العرب اليوم، الثورة الخمينية في إيران تتصرف على أساس أن مشروعها سيغير الشرق الأوسط وحتى العالم، غزو أمريكا العراق اعتبره المحافظون بداية تغيير الشرق الأوسط، حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل جعلت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس تتحدث عن الشرق الأوسط الواسع، بعد سنوات من مشروع شيمون بيريز حول شرق أوسط جديد، حرب أوكرانيا هي في رأي أمريكا حرب الدفاع عن النظام العالمي الذي تهيمن عليه، وفي رأي روسيا بداية نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأنظمة إقليمية جديدة في الشرق الأوسط والشرق الأقصى والقوقاز والبلقان، حتى ثورات ما سمي “الربيع العربي” فإنها بدت بداية شرق أوسط مختلف، لكن ما تغيّر بالحروب والصراعات في المنطقة لم يكن تطورات نحو الأفضل، بل انهيارات نحو الأسوأ، والتطور الوحيد الإيجابي كان التوجه نحو التنمية المستدامة وتحسين التعليم العالي والرهان على المستقبل الأخضر في عالم التكامل والانفتاح، حرب غزة مهما تكن مفاعيلها ونتائجها، فإنها تكفي لتغيير الشرق الأوسط، ولا تغيير بالمعنى الأساسي من دون قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية ضمن “حل الدولتين”، وهو ما خاض نتنياهو وفريقه الانتخابات على أساس مشروع عنوانه قتل حل الدولتين، فهل تقود صدمة إسرائيل أمريكا وأوروبا وروسيا والصين إلى العمل الجدي للدفع في اتجاه تسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي، وتعطي الفلسطينيين بعض حقوقهم وتريح العرب وتضمن لإسرائيل الأمن والسلام اللذين لم تضمنهما القوة المفرطة.
حكومة الحرب التي انضم إليها بيني غانتس في إسرائيل ليست باب الانطلاق نحو التغيير، ولا دور لها سوى إدارة الحرب، وتحديات حرب غزة والمعاناة الهائلة لشعبها لم تدفع حتى إلى وقف الصراع بين السلطة الفلسطينية في الضفة وسلطة “حماس” في غزة، قبل الحديث عن العودة إلى حكومة واحدة وسلطة واحدة هي العنوان الذي يخاطبه العالم في إطار الشرعية الفلسطينية، فلا أحد يعرف المفاجآت التي تعدها حماس لمواجهة الغزو البربري الإسرائيلي بعد نجاحها الكبير في مفاجأة “طوفان الأقصى”، ولا نتائج عملية لسياسة التهجير بالتهجير، لكن الجميع يعرف أن كل حرب انتهت بتسوية ما، وأخطر التسويات والمعاهدات هي ما كان يفرضها نابليون بونابرت على الدول التي يحتلها، بحيث قيل إن كل معاهدة قادت إلى حرب أخرى، والأخطر هو ألا يكون بعد “طوفان الأقصى” سوى المزيد من الصدام في صراع بلا نهاية توظفه قوى إقليمية ودولية في صراعات جيوسياسية واستراتيجية تتجاوز غزة ومعاناة الفلسطينيين.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى