مقالات الرأي

غزة والبكاء عند قبور الطغاة

موسى الأشخم

تنصرف المقاومة إلى كل الأعمال التي من شأنها إلحاق الأذى بالمعتدي والمحتل، وإن كانت قوة المقاوم عشر قوة المعتدي والمحتل. وتقوم على فكرة ألا تدع المعتدي يهنأ باعتدائه، وجعله يشعر بالألم وعدم الراحة الدائم حتى يتوقف عن الاعتداء ويرحل عن بلادك. ولو انتظر المقاومون كما يقول الشيخ ربيع المدخلي حتى يمتلكوا قوة تضاهي قوة المعتدي أو المحتل لما استقل بلد محتل على الإطلاق.
ولو انتظر العرب حتى يمتلكوا قوة تضاهي قوة أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسرائيل حتى يناصروا غزة أو يناصروا فلسطين لبقوا حتى يوم القيامة وهم يتفرجون على غزة وبقية المدن الستينية وهي تسوى بالأرض ويدفن شعبها تحت الأنقاض، والذين يلومون الطاغية! عبد الناصر على دخوله الحرب في عام 1967 دون أن يمتلك القوة الكافية لدحر العدوان الإسرائيلي المعلن على سوريا نقول لهم إن اقتسام الأذى مع سوريا والفلسطينيين أفضل ألف مرة من الفرجة عليهم وهم يدفنون أحياء تحت الأنقاض، وعلى الذين يعتبرون ما حدث في عام 1967 نكسة عليهم أن يراجعوا أنفسهم فإن اقتسام الأذى مع الفلسطينيين والسوريين وحتى اقتسام الهزيمة أشرف ألف مرة من الفرجة على الأشقاء وهم يدفنون أحياء تحت الأنقاض، وفي المنازعات العائلية هل يمكن لشقيق أن يتفرج على شقيقه وهو يضرب حتى الموت ولا يقاتل معه بذريعة أن قوته لا تكافئ قوة المعتدي.
إن ما حدث في 1967 ليس هزيمة على الإطلاق، وإن كان العرب قد خسروا المعركة؛ ذلك أنهم تقاسموا الأذى وتقاسموا الخسارة ولم يتفرجوا على ضحاياهم، أما ما يحدث في فلسطين منذ رحيل طغاة العرب! وإلى اليوم فهي النكسة الحقيقية والهزيمة الحقيقية، لقد ضخم مترفو القول ومترفو المال والجاه ما حدث في 1967 واعتبروها الهزيمة الكبرى حتى تتخلى الشعوب العربية عن طغاتها بلغة الغرب الاستعماري وأبطالها بلغة المقاومين للمحتل والمعتدي، وللأسف هذا ما حدث، ومنذ خسارة العرب لطغاتهم وهم يمارسون الفرجة على مشاهد دفن الفلسطينيين أحياء، وقد يتلذذ بعضهم كما يتلذذ المدمنون على مشاهد أفلام الرعب، ولنسأل ماذا لو كان العرب اليوم يحكمهم طغاتهم كعبد الناصر وحافظ الأسد والقذافي وصدام هل كانوا سيكتفون بالفرجة على أهل غزة وهم يدفنون تحت الأنقاض؟ وللعلم فإن الطغاة مصطلح لاتيني ينصرف إلى الحكام الذين فرضهم الشعب على مجلس الشيوخ الروماني الذي كان يضم مترفي المال والجاه، ويرفض بأي حال من الأحوال الاستماع لصوت الشعب، ويعتبر الحاكم الذي يفرضه الشعب بثورة مسلحة طاغية! ويعتبر حتى الحاكم الذي ينتخبه مجلس الشيوخ ويتقرب إلى الشعب ويطلب وده ورضاه ويقدم للعامة مكاسب لم يحصلوا عليها بجهدهم طاغية! ويستخدم مترفو المال والجاه والقول في الغرب الطاغية بنفس الدلالة، بل ويضاف عليها وصف المقاومين للهيمنة الغربية أينما كانوا بالطغاة! فعبد الناصر طاغية وكاسترو طاغية ومادورو طاغية وخاميني طاغية وبوتين طاغية بينما كرازاي وقوايدو والمالكي قادة ديمقراطيون. فليبكِ الفلسطينيون والعرب عند قبور طغاتهم أو يعمدوا إلى خلق طغاة جدد علهم يفلحون، وعلى العرب أن يدركوا أن الديمقراطية الغربية امتداد لمجلس الشيوخ الروماني الذي يضم مترفي المال والجاه وحتى بعض مترفي القول، ولا تأتي إلا بحكام ينتمون إلى مترفي المال والجاه وترتبط مصالحهم بمترفي الغرب. وهؤلاء تعد الوطنية عندهم مجرد وجهة نظر، يمكن أن تتبناها ويمكن أن تتركها من أجل مغانم السوق، إذ إن الاستقرار السياسي ضرورة من ضروريات السوق يحتاج إليه نبلاء المال لتنتفخ جيوبهم وأرصدتهم المصرفية.

زر الذهاب إلى الأعلى