مقالات الرأي

طوفان المجد.. وطوفان الكذب!

مصطفى الزائدي

لأول مرة في تاريخ الكيان الصهيوني القصير، يخوض الصهاينة حربا حقيقية داخل الكيان لمدة تجاوزت العشرة أيام، حربا تكبدوا فيها خسائر حقيقية بين قتلى وجرحى ودمار، إضافة إلى حالة الرعب والخوف التي تعم أركان الكيان، ففي الحروب السابقة كانت هي من يخطط لها وينفذ وكأنها مشاهد تمثيلية استغلتها في تقديم جيشها وأجهزتها الاستخباراتية وكأنها قوة لا تقهر وأسطورة لا تتكرر!
معركة طوفان الأقصى غيرت قواعد اللعبة وكشفت وهن البيت الصهيوني المصنوع من القش، ونجح الغزيون رغم قلة أعدادهم وعتادهم في خوض حرب قد تتحول إلى حرب تحرير حقيقية وجدية، الأمر الذي دفع الغرب لأن يهرع لدعم دولة الكيان التي تنهار كقلاع الرمال على الشواطئ عندما يداهمها الموج!
ولكي يجد الغرب الحاقد مبررات وأعذارا للدخول مباشرة في القتال بدأ بشن طوفان من الأكاذيب، مستخدما بكل وقاحة صور أطفال غزة الذين تحرقهم نيران العدوان الصهيوني الحاقد، وتقديمهم على أنها صور لصهاينة ضحايا عملية طوفان الأقصى، إلى درجة أن الرئيس الأمريكي ووزراءه لم يخجلوا من تقديم تلك الصور للإعلام!
الخطاب الدعائي الغربي يمعن في الكذب والتزوير بتقديم الأحداث على أن دولة الكيان تدافع عن نفسها وسلامة مواطنيها، متناسين أنه وفقا لقرار الأمم المتحدة الذي تكونت وفقه دولة الكيان وحتى اتفاقية “أوسلو” لما سمى السلام تلك الأراضي التي استهدفها طوفان الأقصى هي أراضٍ فلسطينية محتلة، القتال من أجل تحريرها حق مشروع تكفله كل الشرائع والمواثيق الدولية!
الدعاية الغربية لم تعد تمر مرور الكرام على العالم، بعد أن انتفضت روسيا والصين ضد محاولات أمريكا وتابعيها الأوروبيين فرض هيمنة أحادية على العالم، ولقد كان موقف الرئيس فلاديمير بوتين واضحا حاسما في وصفه للعدوان الصهيوني على المدنيين في غزة، حيث شبه حصار غزة بحصار النازيين لينينغراد إبان الحرب العالمية الثانية، ورفض رفضا قاطعا تفرد أمريكا بفرض حل على المنطقة مصمم فقط لخدمة دولة الكيان.
الموقف الصيني لم يقل كثيرا عن الموقف الروسي، أما الموقف الكوري الشمالي فكان أكثر وضوحا في إدانة العدوان ودعم الشعب الفلسطيني، ويمكننا القول إن طوفان الأقصى ربما يعيد التوازن الذي فقد لعقود للعلاقات الدولية، حتى تتأسس على الحق والعدل.
في الغرب نفسه لم تصدق الشعوب الدعايات الغربية وخرجت مظاهرات في عديد المدن الأوروبية الكبرى متعاطفة مع حقوق الشعب الفلسطيني.
الشعب العربي كان في الموعد وخرجت الجماهير في كل مكان مستجيبة لاستغاثات الشعب الفلسطيني، رغم وهن واستكانة أغلب الحكومات العربية، المرتبط بعضها بعلاقات عمالة معلنة مع العدو ومع الدول الغربية!
الأكاذيب كانت سمة الحملات الإعلامية منذ الحرب العالمية الثانية، فلقد دشن “جوبلز” هذا المنهج ومن بعده تلقفته الدوائر الغربية، حيث صار أساس كل الحملات الدعائية التي يشنها الغرب منذ منتصف القرن الماضي! وتلخصت في عنوان محدد وهو شيطنة الخصوم وشخصنة القيادة، فتعمل على رسم صور شيطانية لكل من تضعهم في حالة الخصوم، بينما تختصر قضايا ومقاومات الشعوب في أشخاص! كأن يوصف غزو العراق على أنه حرب على صدام، والقتال في أوكرانيا على أنه حرب على بوتين وهكذا دواليك!
اليوم يتحدثون على الحرب في غزة وطوفان القدس على أنها عملية إرهابية من حماس وما يقومون به من تقتيل ليس سوى انتقام من حماس، رغم صور أشلاء الأطفال والنساء وحجم الدمار الذي تنقل صوره على الهواء!
الجدلية بين طوفان الأقصى وطوفان أكاذيب الغرب ستنتج لا شك واقعا جديدا يكون فيه للشعوب قول فصل، وهي بداية النهاية لزوال هذا الكيان المغتصب للأرض العربية وانهيار هيمنة الغرب على العالم وربما ظهور لمرحلة جديدة من الحضارة الإنسانية!

زر الذهاب إلى الأعلى