مقالات الرأي

العلاقة بين حرب أوكرانيا وتسلل بنغازي وطوفان الأقصى

محمد جبريل العرفي

حرب أوكرانيا أوضحت صراع أقطاب ساخنة بالوكالة، حيث تستخدم أمريكا الأوكرانيين والأموال الأوروبية لإضعاف روسيا تمهيدا لتفتيت الاتحاد الروسي، وعلى جبهات أخرى تواجه أمريكا التغلغل الاقتصادي للصين والثورات المدعومة روسياً بأفريقيا.
الصراعات حول الموارد قضية أزلية أبدية، فالبشر يتصارعون ويعدون العدة للحرب، ليبيا في قلب الصراع نتيجة لمواردها المعدنية والنفطية والغازية، وموقعها الاستراتيجي كبوابة لإفريقيا على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، وكحلقة ربط بين دول الشمال الإفريقي. الصراع الدولي والانقسام السياسي قسما ليبيا إلى معسكرين، أحدهما عميل للغرب وأمريكا والإسرائيليين، والآخر يحاول أن يجد حلفاء دوليين يخلق بهم حالة للتوازن، الأزمة الليبية في حقيقتها نتيجة للتدخل الأجنبي، فالليبيون برهنوا بفزعة خوت أنهم متصالحون متوحدون.
ما حدث في بنغازي يوم عيد العبور تم خُطط له ومُوِّل وشُرِع في تنفيذه بتسلل أرتال مسلحة عبر الطرق الصحراوية، والالتحام مع الخلايا النائمة بالمنطقة، بعد أن عززوا قدراتهم بتسلل عناصرهم وتهريب العتاد رفقة قوافل الإغاثة إلى الجبل الأخضر، بدأ المتسللون تفجير الكابل شرق اجدابيا المتفرع إلى بنغازي، واستعملوا أجهزة تشويش، كان المخطط إحداث بلبلة في بنغازي وزعزعة أمنها، وإشعال فتيل حرب أهلية بالمنطقة، وكان من المفترض حدوث تحرك موازٍ بمنطقة الهلال النفطي يبدأ باستهداف ثكنات القوات المسلحة، والاستيلاء على المنشآت النفطية، ثم طلب الحماية من أمريكا، التي وعدتهم بالتدخل بحجة حماية مصالحها في إمدادات النفط.
لكن (الله شاء) أن تشعل المقاومة الفلسطينية يوم السبت حربا في داخل فلسطين المحتلة، تفاجئ العدو، وتفقده توازنه، وتسقط الجدار العازل مثلما سقط خط بارليف قبل نصف قرن، فعقلية الفيتو اليهودية متجذرة فيهم، طوفان الأقصى اضطر أمريكا لإعطاء الأولوية لدعم الصهاينة، فلم تقو على تقديم الدعم اللوجستي للإرهابيين، كما قلصت من الدعم لنظام زيلنيسكي العميل، لأن أمريكا أصبحت منشغلة بحرب مباشرة على قطاع غزة، مستخدمة أسطولا يحوي أحدث حاملة طائرات نووية في العالم، في محاولة يائسة لكسر شوكة المقاومة تسهيلا للتطبيع مع العدو الذي كانت حكومة الدبيبة من المهرولين إليه.
اللافت في الأمر أن ما قام به فلول الإرهابيين الزنادقة، لم يكن بموافقة جماعية من غرب ليبيا وكثيرون من الغرب الليبي لم يشاركوا فيه ولم يرتضوه، فهو مؤامرة أمرت بها أمريكا، وخطط لها جماعة الإخوان، ونفذها فلول الإرهابيين الهاربين، ومولتها عصابة الدبيبات، وحرض عليها مفتي الإرهاب الذي أفتى بأن ما يسميه تحرير بنغازي واجب شرعي، كما أن عائلة النهب تنصلت علناً من العملية بعد فشلها، وشرعت في القبض على الفلول المختبئة هناك.
رغم اختلافنا مع عقيدة حماس ومواقفها عام 2011 وأنها كانت صناعة أمريكية لاحتواء ثورة الحجارة ولخلق منافس لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكنها خرجت عن طوع أمريكا والتحمت مع فصائل مقاومة أخرى ونجحت في قيادة المقاومة الفلسطينية لإشعال هذه الحرب البطولية، التي شغلت أمريكا عن دعم عملائها المتسللين إلى بنغازي.
الشعب الفلسطيني متشبث بأرضه، ولا يمكن كسر شوكة مقاومته، وقادر على إنتاج أجيال تفجر انتفاضات شعبية منذ ثورة الحجارة 1987 التي أوقفتها أوسلو، إلى الانتفاضة الثانية عام 2000 التي أدت لانتخاب عباس إلى إيقافها عام 2005، إلى طوفان الأقصى، فلأول مرة بعد معركة الكرامة عام 1968 تنشب معارك مباشرة بين المقاومة وقوات الاحتلال، ولأول مرة ينشب قتال داخل فلسطين المحتلة عام 48، وسيستمر الشعب الفلسطيني في تقديم أجيال من المقاومين إلى أن تحل القضية الفلسطينية حلا عادلا ينهي الاحتلال، ويلغي نظام الفصل العنصري الصهيوني، بإقامة دولة (إسراطين) الديمقراطية للفلسطينيين واليهود.
المتطرفون الصهاينة لديهم مشروع إنشاء دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، فالتطبيع والتصالح مع هؤلاء مضيعة للوقت، فقد اغتالوا رئيس وزرائهم رابين عندما أظهر نيته كشريك للفلسطينيين، وقضوا على مستقبل أولمرت لإجهاض خطته في التفاهم مع الفلسطينيين، واليوم يتحكم هؤلاء المتطرفون في حكومة نتنياهو، ويسعون لإحداث نكبة ثانية بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء كوطن بديل، ما يجري في ليبيا مرتبط بتشكل الأقطاب، وبالتآمر على مصر، فالإخوان والعملاء والغرب المتصهين يستهدفون الصخرة الصماء التي تحمي المناطق الليبية المحررة، ليصلوا إلى حدود مصر لإشغالها من غربها كي يتاح للصهاينة تنفيذ مخططهم في تهجير الفلسطينيين إلى الوطن البديل الذي وعدهم به الإخواني مرسي، لكن ثورة يونيو الفريدة أفشلت المؤامرة.
إن مصير الأمة العربية مترابط، فهي تواجه أعداء متحالفين لتحقيق أهداف تدمير وجود الأمة العربية، رغم أن الاعتماد على الشعوب وليس الأنظمة الخانعة والمرتجفة والعميلة، فإنها أمة ولادة ستنجب أبطال تاريخ يحررونها ويوحدونها.

زر الذهاب إلى الأعلى