مقالات الرأي

إضاءات قانونية

أسماء الفسي

ذكرنا في مقال سابق أن الإرادة المنفردة في إنهاء عقد العمل غير محدد المدة ليست مطلقة، بل يجب لاستعماله توافر شرطين:
أن يسبقه إنذار.
ألا يشوبه تعسف أي عدم اللجوء إليه دون مبرر.
أولا: الإنذار السابق للإنهاء:
حيث رأينا سابقا كيف أن العقد محدد المدة يتميز بإمكانية إنهائه بالإرادة المنفردة، ولكن معنى ذلك يمكن أن يحمل هذا الإنهاء المفاجئ عنصر المفاجأة للطرف الآخر، ولهذا جرى في الفقه والقضاء ضرورة اشتراط الإخطار الذي يفصح فيه عن الرغبة في إنهاء العقد، ويمنح بذلك للطرف الآخر، مهلة مناسبة لمواجهة الموقف الجديد، وتدخل المشرع كذلك حيث يحتم القانون المدني في نص المادة 694 ـ 2 وقانون علاقات العمل أن يسبق إنهاء العقد إنذار أو إخطار من الطرف الذي يرغب في إنهاء العقد إلى الطرف الآخر، والغرض من الإخطار هو منع المفاجأة وتمكين الطرف الآخر من العقد من الاستعداد للوضع الجديد بعد الإنهاء، فإذا كان الإنذار من صاحب العمل استطاع العامل خلال فترة الإنذار أن يبحث عن عمل آخر، وإذا كان الإنذار أو الإخطار من جانب العامل فيعطي فرصة لصاحب العمل ليبحث عن عامل يحل محل العامل المستقيل.
والإنذار بطبيعة الحال هو إعلان لإرادة المتعاقد يتضمن رغبة أكيدة في إنهاء العقد، ومن ثم هو يعتبر تصرفا قانونيا من جانب واحد ويخضع لما تخضع له التصرفات القانونية من أحكام، ولا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم الطرف الآخر، وهذه القواعد في الإخطار من الإنذار من النظام العام، ومن ثم لا يجوز الاتفاق على مخالفتها، وبالتالي لا يجوز للطرفين في عقد العمل الاتفاق على إمكانية إنهاء العقد دون إخطار، ومثل هذا الشرط يعتبر باطلا وما دام الإخطار تصرفا قانونيا فيجب أن يكون صحيحا، أي يجب أن يصدر من الطرف صاحب الشأن أو من يمثله قانونا، والأهلية المطلوبة لصحة الإخطار هي ذاتها المطلوبة لصحة عقد العمل، وقد قررت المادة 71 من قانون علاقات العمل الجديد أن يكون كتابة والكتابة ليست شرطا شكليا لصحة الإنذار ولكنه شرط لإثباته بنفس الطريقة التي تعتبر فيها الكتابة شرطا لإثبات عقد العمل.
أما من حيث مدة الإخطار فقد حدد المشرع مهلة الإنذار تحديدا زمنيا بأن تكون مدة الإنذار ثلاثين يوما، تبدأ من وقت أن ينتج أثره أي من وقت اتصاله بعلم من وجه إليه، إذ إن الإخطار لا يعني إنهاء لعقد العمل فور صدوره، لكنه يكشف الرغبة في ذلك الإنهاء خلال هذه المهلة، وأثناء هذه المهلة يكون عقد العمل قائما وساري المفعول، فالعامل يؤدي العمل المكلف به وصاحب العمل يدفع الأجر، ويجوز الاتفاق على إطالة مدة الإخطار لمصلحة العامل كما يجوز الاتفاق على إنقاصها أو الإعفاء منها في حالة صدور الإخطار من العامل، وعلى العكس من ذلك لا يجوز الاتفاق لا على إنقاص مهلة الإخطار الصادر من صاحب العمل أو إطالة مهلة الإخطار الصادر من العامل، ولكن ما الذي يترتب على هذا الإنذار؟

زر الذهاب إلى الأعلى