أفارقة.. وعواصم ممكنة
عفاف الفرجاني
وأنا أطالع بعض الفيديوهات على أحد تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي لخفر السواحل بالمياه الليبية وهو يحاول استيقاف قارب صيد يعتبر كبيرا نسبيا على متنه أشخاص منهكون، إلا أن القارب رفض التوقف رغم محاولة إطلاق النار في الهواء من قبل آمر خفر السواحل على ظهر السفينة، وفي هذه الأثناء يظهر صوت لأحد أفراد طاقم السفينة وهو يوثق عملية المطاردة وأن القارب خرج عن السيطرة حيث تعدى نطاق المياه الإقليمية لليبيا.
أردت أن أقف أكثر على بعض الحالات المشابهة، ومن خلال محرك البحث (غوغل) رصدت العديد منها، فوجدت أن إيطاليا وبولندا وإسبانيا هي أكثر الدول التي يقصدها المهاجرون، فالأخيرة وحدها لديها أكثر من 14 ألف مهاجر وصلوا إليها منذ بداية عام 2023، وهو رقم مخيف يفوق عدد المهاجرين في السنوات الماضية، فالقارة العجوز (أوروبا) بالإضافة إلى حالة الفوضى التي تسببها هذه الجماعات أمنيا، هناك أيضا حالة عدم الاستقرار الاقتصادي الذي تعانيه، بسبب التضخم وارتفاع الأسعار.
الأوروبيون يرون أن هذه الأكوام من البشر وعند اعتلائها قوارب الموت ستكون نسبة النجاة فيها لا تذكر، حيث يصل المهاجر وهو في حالة صحية حرجة يحتاج إلى عناية ورعاية خاصة، وهذا الأمر يزيد عليهم الطين بلة، فحسب المعلومات المتوافرة والتي تقدم على شكل تقارير لأجهزة مكافحة الهجرة غير الشرعية في أوروبا أن إيطاليا وحدها أنقذت ما يقارب 2000 مهاجر من الجمعة الماضية إلى الأحد، هذا يجعل عملية مكافحة هذه الظاهرة معقد للغاية، فالقوانين الدولية تنص على تقديم المساعدة الصحية لأي مهاجر وصل لخفر السواحل، وتحت أي ظرف هم ملزمون بذلك، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وتتعالى أوروبا والمجتمع الدولي عن الإجابة عنه، لماذا ازدادت هذه الظاهرة انتشارا في الآونة الأخيرة؟ ولماذا أصبح جل شباب قارة إفريقيا والدول العربية يطمحون لهذا النوع من المجازفة؟ ضاربين بحياتهم عرض الحائط!، وأوروبا لم تتنازل يوما وتعترف بسحقها للمواطن الإفريقي الذي لا يدخل ضمن سياسة إنسانيتها، لم تعترف بأنها من سلبته قوته واستباحت خيراته وكبلت حريته وصادرت طموحه، إفريقيا التي عانت ولا تزال تعاني من هيمنة الغرب الطامع، شبابها وأطفالها ميتون في كلتا الحالتين، على أرضهم، أو بأمواج البحر التي قد ترحمهم أحيانا.
العالم تغير، وعولمة الاتصال اجتاحت العقول، أصبح الفرد المعزول في أدغال إفريقيا بالأمس يموت جوعا أو بلسعة بعوضة لا يعلم به أحد، هو اليوم يختلف عن أمسه هو ينظر كيف يعيش العالم وكيف يحترم الفرد فيه.
أنا لا أؤيد الهجرة غير الشرعية، ولكن أنا مع معاقبة الآخر، فعندما يتم الاختيار بين القانون والإنسانية سوف أختار الإنسانية، أناس تحت خط الفقر والمشكلة يعيشون في بلاد أقل ما يقال عنها جنة الأرض، ينعم فيها الغازي المحتل وصاحبها يعيش عبدا في بلاده، نحن كدولة عربية تمثل معبرا وليس واجهة يقصدها المهاجر، لسنا ملزمين بحماية شواطئ البحر المتوسط حتى لا تعاني أوروبا تدفق المهاجرين، ما فائدة مكافحتنا لهم ولسنا نحن الهدف، على أوروبا أن تتحمل المسؤولية القانونية والإنسانية التي ساهمت في ارتفاع مؤشر الهجرة غير الشرعية إليها، ولو كان هناك دولة ذات سيادة حقيقية لا تقبل ببعض الملايين التي تعطى لها مقابل حراسة البحر، وهذا ما دعا إليه معمر القذافي دول الاتحاد الأوروبي بإلزامهم بمبالغ ضخمة تصل إلى المليارات مقابل دعم إفريقيا بالمشروعات الاستثمارية، ولكن أوروبا التي ترفض استقبال هؤلاء، عليها أن تعيد النظر في سياستها الاستعمارية، وأيضا علينا عدم الانصياع لرغباتها، (فليحرق من يحرق) لسنا كلاب حراسة لقارتكم العجوز.