فلسطين تحت النار والبارود
ناجي إبراهيم
الشعب الفلسطيني الباسل الصامد المقاوم يسطر ملاحم بطولية خيالية مقارنة بتوازن القوة مع العدو الذي يمتلك أسلحة حديثة وفتاكة ومدمرة، معركة طوفان الأقصى أوجدت نظريات جديدة في حرب التحرير الشعبية، ومزجت بين الهجوم والصمود والإقدام والثبات في مقابل الجحيم الذي تقذف به قوات جيش العدو المدن والأحياء الغزاوية، نجحت المقاومة في تطبيق نظرية الرعب بالرعب والخوف بالخوف والتهجير بالتهجير حتى أفقدت قوات العدو وحكومته توازنهم ويقفون على قدم ونصف خلال هذه المواجهة التاريخية.
الذي تحقق في فلسطين يوم 7 أكتوبر 2023 انتصار تاريخي لم يتحقق منذ عبور الجيش المصري لخط برليف قبل خمسين عاماً، وكشف عن ضعف وهشاشة الكيان الصهيوني، ولم تستطع قلاعهم حمايتهم من هجمات المقاومة الفلسطينية المصممة على النصر والتي حددت خيارين لا ثالت لهما وهي تخوض ملحمتها التاريخية النصر أو الشهادة.
حجم الخسائر البشرية والمادية التي تحدث في غزة كبير، وهذا ناتج عن شراسة العدو وهمجيته وحقده واستخدامه أسلحة فتاكة ومدمرة ومحرّمة دولياً، وكما هو سلوكه العدواني دائماً وفي كل مواجهاته وحروبه السابقة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل يستخدم الذخائر المحرمة دولياً ومنها الغازات السامة والقنابل المحشوة باليورانيوم وحتى الجرثومية، ولكن تهون هذه الخسائر وهذا الدم الذي يسيل في شوارع وطرقات غزة وهذه الأشلاء الممزقة تحت الأنقاض تهون إذا ما علمنا أنها فاتورة التحرير، وهي ثمن الحرية، ودفاع عن الأقصى، فالعدو الصهيوني ينكر الحق الفلسطيني في أرضه وحقه التاريخي المشروع، ويرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وحتى الـ48 بضوء أخضر ودعم وتأييد غربي وصمت رسمي عربي وإسلامي أمام هذا الصلف وهذه الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون المحاصرون في غزة والمحرومون من أبسط أسباب الحياة ويواجهون الآلة العسكرية الصهيونية بصدورهم وأجسادهم التي تمزقها طائرات العدو.
تصريحات باهتة وخجولة ودعوات لوقف إطلاق النار وإدانة لقتل المدنيين من الطرفين يتساوى فيها الجلاد المجرم والضحية وتساوي بين السكين الفلسطيني وأسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية، النظم العربية وجيوشها بدلاً من إعلان حالة النفير والتأهب وتحريك قواتها إلى الحدود مع فلسطين للرد على الدعم الأمريكي والغربي لعصابات الصهاينة اكتفت بالقيام بدور الوساطة والتواصل مع الحكومة الصهيونية تتسول السماح بدخول المساعدات الإنسانية التي واجهتها حكومة تل أبيب بالرفض، واستمرت في إطباق الحصار على غزة وقطعت عنها المياه والكهرباء وزادت من وتيرة هجماتها على الشجر والحجر وكل شيء يتحرك في غزة بالأسلحة الأمريكية الفتاكة من البر والبحر والجو، ولم تجرؤ الحكومات العربية المطبّعة حتى على إدانة القتل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
أن ما يجري في غزة هو حرب إبادة مكتملة الأركان يستخدم فيها الجيش الصهيوني مختلف صنوف الأسلحة والمحرّمة دولياً، وتشهد مدن غزة محرقة حقيقية تهدف إلى إفراغها من سكانها قتلاً وتهجيراً تستوجب أن تواجه بقوة لمساندة صمود أهل غزة من خلال الضغط الشعبي على الحكومات والمنظمات التي تدعي حماية حقوق الإنسان لكشف الجرائم الصهيونية والعمل على إيقافها بكل السبل.
عملية طوفان الأقصى أعادت لنا الأمل في النصر ووضعت القضية الفلسطينية في واجهة الأحداث بعد أن دفنتها أوسلو في أدراج الخارجية الأمريكية، وأوقفت مسلسل التطبيع وأسقطت معادلة السلام بالسلام ببعث معادلة السلام بالأرض كتبتها بندقية المقاومة لتمسح ما خطته الأقلام في أوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد، وأعطت مؤشرا لمستقبل القضية الفلسطينية ووضع أسس جديدة للصراع العربي الإسرائيلي الذي لن يكون بعد الطوفان كما قبله.
المقاومة الفلسطينية وهي تقاتل قوات الجيش الإسرائيلي المنظمة على الأراضي الفلسطينية تمارس حقها المشروع في مقاومة الاحتلال التي كفلتها كل القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية والشرائع السماوية، والإدانات الأمريكية والأطلسية الغربية لعملية طوفان الأقصى بقدر ما تبين وتكشف ازدواجية المعايير التي تمارسها هذه الدول وهي التي عدت مقاومة الجيش الأوكراني للجيش الروسي مشروعة فهي لا تسقط الحق الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ولن تجعلنا نتخلى عن دعم الحق الفلسطيني بكل ما نملك، وهو ما شهدناه من غضب شعبي عارم في أغلب الساحات العربية والإسلامية ويلحق الخزي والعار بالنظام العربي الرسمي الذي وقف عاجزاً عن دعم المقاومة الفلسطينية ولو ببيان يندد بالعدوان الصهيوني، الخزي والعار على الحكومات العربية والجيوش العربية.