رسالة المثقفين
المهدي الفهري
ما يشجعنا على الكتابة أحيانا هو إيماننا بتحقيق واقع مغاير لما نحن فيه من عجز، ولما نعانيه من إخفاق، وللمشاركة بكلمة أو رأي أو نصيحة لعلها تسهم في إنقاذ شعب من نفسه، وتخليص وطن من عُقاله، وإعادة الثقة والوعي لأبنائه ولمجتمع تجمعنا معه صلات ومصالح ومصير واحد، وهي سر البقاء.
هذه الأواصر هي التي نستمد منها الأمل والزخم وروح الاستمرار في الحياة والقبول بأدنى شروطها أحيانا وليس بأحسنها، فواقع اليوم لا يوازي الأحلام التي يطمح إليها ويحلم بها الجميع، ولكن مجرد الشعور بهذا النقص قد يكون دافعا وحافزا قويا للجيل الجديد على حب المجازفة والتجديد، وعلى المنافسة والمغالبة وربما التفوق والتعويض عما فات، فالقدرات هي ما تخلق الفرص والإمكانات، والابتكار والإبداع عادة ما يخرج من عمق التجربة والمعاناة، ورغم وجود فجوة بين الإنتاج المعرفي وبين المتلقي كما هي الفجوة بين صاحب القرار السياسي والنخب المثقفة مما يسمح بنقل الصورة السلبية والترويج لمعطيات لا تتحدث بلغة العصر ولا تعبر عن الحقيقة، يأتي دور الكاتب الصادق الذي يثق الكل في فهمه وتحليلاته ويستأنس الجميع برأيه وقدراته على فك طلاسم الحياة ورموزها لما يحمله من تميّز وحضور في الميدان الثقافي في وقت نحتاج فيه إلى الاعتماد على النفس والقدرة على التوازن والاتزان لمواجهة التحديات وكذلك الوعي نظرا إلى العلاقة المتداخلة بين الوعي والثقافة لما تمثله الثقافة من عامل بناء وصقل وليست معول هدم ودمار، ولما يمتلكه المثقف من خبرة مهنية قد تؤهله لأن يكون قريبا من السلطة أحيانا، إلا أنه يجب ألا يصاب بعدواها وأن يحرص خلال رحلته الثقافية على أن يكون صوتا للوعي وللحقيقة وليس صوتا للسلطة، وأن يسهم بوعي في النقد الإيجابي وترميم المعنويات، ويعمل على إبراز وترتيب الأولويات التي تهدف إلى الإصلاح والتطوير والتغيير إلى الأفضل، فالكلمة الحرة والمحايدة والمستقلة هي لسان المثقف ورسالته التي تتجسد فيما يجري في محيطنا القريب والبعيد، وفي قدرته على فهمها وتفكيكها واختيار الجواب الأصح.
ولعل ما يقلقنا اليوم هو أن نشاهد ضعفنا وعيوبنا بعيون أعدائنا ونسمع عن واقعنا عبر منابر خصومنا ونقرأ عن أنفسنا بأقلام الآخرين من خلال خطاب إحباطي موّجه ومشكك ومحشو بالزيف والحقد والكراهية، ويدعو إلى فرض رأي عام يتقاطع مع ثقافة الاستسلام واللامبالاة لما يدور حولنا من أحداث والخضوع للأمر الواقع ونحن مغيبّون تماما عن المشهد الحقيقي ومنقسمون بين مصدّق ومكذّب ومؤيد ومعارض، ولعل أكثرهم مهارة وقدرة على المكر والخداع أقربهم إلى قلوبنا وعواطفنا تصديقاً وإشادة في زمن نفتقر فيه إلى رأي القوة الناعمة من الكتّاب والمثقفين الصادقين.