ملفات وتقارير

رغم مرارة الألم وحجم المعاناة.. طوفان”درنة” يوحد الليبيين

الليبيون يسطرون أروع مشاهد الوحدة والاصطفاف في مواجهة العاصفة تحت شعار “فزعة خوت”

متابعات ــ سيد العبيدي:
من رحم المعاناة يولد الأمل.. ومن قلب المأساة يولد الفرج… هكذا كانت ردة فعل الليبيين بكافة المدن والمناطق تجاه كارثة الإعصار المدمر “دانيال” الذي ضرب مدن شرق البلاد، وخلف آلاف الضحايا والمفقودين.
لم تكن ليبيا قبل ذلك اليوم على وئام سياسي حتى اختلطت دموع الحزن بالفرح والتأمت معها الجراح النازفة، في مشهد أخوي له ما بعده من إعادة ترتيب لـ “البيت الليبي” من الداخل بمنأى عن الوصاية الخارجية ومزاعم فرض الأمن والسلام غير الجادة من قبل المجتمع الدولي.
لم يتوقع العالم اللحمة التي ظهر بها الشعب الليبي منذ الساعات الأولى لوقوع الكارثة، حتى شاهد “فزعة” الليبي لمؤازرة أخيه في المدن المنكوبة، مقدما كل ما يملك من غذاء ودواء وملابس وأموال؛ لإغاثة المتضررين من هول الدمار الذي لحق بمدنهم شرق البلاد وبمدينة درنة على وجه الخصوص.
الأمر الذي خفف نسبياً من وطأة المأساة الإنسانية التي كانت ستتفاقم أكثر من ذلك لولا “عناية الله” والتكاتف الذي حول طرقات وأجواء ليبيا إلى قوافل من المعونات والمساعدات الإغاثية المتجة نحو المناطق المتضررة.

ردة الفعل الشعبية.. “فزعة خوت”
ولم تكن ردة فعل الشعب الليبي مفاجئة، لاسيما والليبيون معروف عنهم “الكرم والنخوة” مع الغريب فكيف الحال والمكلومون إخوة الدم والرحم، وهو ما دفع المدن والمناطق من أدنى ليبيا إلى أقصاها إلى الانتفاض تحت شعار “فزعة خوت”.
وهي حملة شعبية تضامنية تشكلت بالتزامن مع وقوع الكارثة في شرق البلاد، وتولت مهمة جمع التبرعات والمساعدات وتسييرها إلى المناطق المنكوبة، وكشفت الحملة عن قوة الترابط بين أبناء الوطن الواحد رغم الاختلاف السياسي الذي سقى بذوره الاستعمار والتدخلات الخارجية.
وهرعت فرق الإغاثة والطوارئ والهلال الأحمر من مختلف المدن الليبية، إلى جانب الدعم العسكري الذي جاء من طرابلس ومصراتة والزنتان والزاوية ومن كافة مدن المنطقة الغربية، والتحم اللواء 444 قتال باللواء طارق بن زياد التابع للقوات المسلحة العربية الليبية، إلى جانب كتائب أخرى مدن مصراتة وطرابلس والزاوية في مشهد يدعو للعزة والفخر ويعزز من روابط أخوة الدم رغم الآلام التي تسبب فيها الإعصار ومن قبل ذلك التدخلات الخارجية.
المساعدات المحلية
بدأت المدن في مختلف مناطق ليبيا من الغرب إلى الجنوب حتى الشرق الليبي في تجهيز وإعداد قوافل المساعدات والإغاثة العاجلة، وتسييرها نحو مدينة درنة ومدن الجبل الأخضر المنكوبة جراء العاصفة، وتدفقت المساعدات من مدينة مصراتة وطرابلس والزاوية والزنتان بالغرب الليبي.
كما وصلت مساعدات عاجلة من سبها والجفرة ومرزق وغات وغيرها من المدن والمناطق الليبية، لمؤازرة الأخوة في المنطقة الشرقية، وقال الدكتور أسامة حماد رئيس الوزراء إن الحكومة لم تمنع المساعدات التي تأتي عبر حكومة منتهية الولاية في طرابلس، حيث وصلت حافلات من غرب البلاد لتقديم المساعدات إلى درنة.
عدد الضحايا والمفقودين
وتفاوتت أعداد الضحايا والمفقودين جراء العاصفة، فبحسب وزير الصحة بالحكومة الليبية عثمان عبد الجليل، بلغت 3252 ضحية دفنت صباح السبت الماضي، كما أفادت أجهزة الطوارئ، بتسجيل أكثر من 7000 إصابة بجروح متفاوتة، فيما لا يزال الآلاف في عداد المفقودين تحت الإنقاض وفي قاع البحر.
التلوث المائي
وفي السياق أعلن مدير المركز الوطني لمكافحة الأمراض، حيدر السائح، ارتفاع حالات التلوث بمياه الشرب في شرق ليبيا إلى 150 حالة، نتيجة اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي بسبب السيول، مضيفا أن مياه الشرب في درنة لم تعد صالحة للشرب.
وتم الإعلان عن حالة الطوارئ لمدة عام في المناطق المتضررة لمنع تفشي الأوبئة والأمراض، كما تم تقسيم المدينة إلى 3 مناطق لإغاثة المتضررين وتوجيه العائلات إلى مناطق آمنة، لافتا إلى أن مراكز التطعيم في المدينة لم تتأثر وسيتم تقديم التطعيمات الروتينية للأطفال.
دور القيادة العامة


وفي إطار المتابعة المستمرة للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية منذ بداية الأحداث، أجرى عصر الجمعة الماضية المُشير خليفة حفتر جولة تفقدية بالطيران العمودي لمُدن ومناطق الجبل الأخضر والساحل الشرقي المتضرّرة جرّاء الفيضانات والسيول.
وشملت الجولة زيارة ميدانية لشوارع وأحياء مدينة درنة التي التقى فيها بالأهالي والوحدات العسكرية من جنود وضباط القوات المُسلحة العربية الليبية وفرق البحث والإنقاذ المحلية والدولية للوقوف على تطورات عمليات البحث الجارية في شوارع ومناطق المدينة.
وأثنى القائد العام للقوات المسلحة العربية الليبية خلال جولته على جهود كافة وحدات القوات المسلحة والفرق المحلية والدولية والمتطوعين من كافة ربوع ليبيا على مجهوداتهم الجبارة واستجابتهم السريعة من اليوم الأول لوقوع الكارثة.
وأصدر المشير خليفة حفتر، في وقت لاحق مع بداية دخول العاصفة دانيال تعليمات فورية بتسخير الإمكانات وتوفير الدعم اللازم، بما في ذلك التجهيزات الطبية العاجلة والإيواء للمتضررين، في المناطق والمدن والقرى في الجبل الأخضر جراء الأمطار الغزيرة.
وأعرب المشير خليفة حفتر في كلمة متلفزة عن تعازيه لأسر الضحايا، مشيرا إلى أن هذه الكارثة النادرة في تاريخ ليبيا المناخي أسفرت عن وفاة الآلاف وإصابة الآلاف الآخرين، وما زال البحث جاريًا عن المفقودين، مشيدا بتمكن فرق البحث والإنقاذ من إنقاذ عدد من العالقين تحت الأنقاض.
ووجه “القائد العام” بتخصيص الإمكانات الطبية والعسكرية جميعها، لدعم المتضررين ونقل الجرحى إلى المستشفيات، كما طالب الحكومة بتشكيل لجان من أجل تقييم الأضرار والخسائر، وضرورة البدء الفوري في إعادة رصف الطرق المدمرة، وتخصيص التمويل اللازم لهذه المهمة من قِبل كل الجهات الرسمية، خاصة مصرف ليبيا المركزي.
ونوه “حفتر” إلى المساعدات التي قدمتها دول مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وتونس، وتضمنت مساعدات إغاثية وفرق إنقاذ، وصلت مبكراً وبدأت فعليا المشاركة في عمليات البحث والإنقاذ، بالإضافة إلى إرسال مصر فرق إنقاذ وأطباء، معربًا عن شكره وتقديره باسم الشعب الليبي لكافة الدول العربية والصديقة على مواقفها النبيلة تجاه الشعب الليبي.
“النواب” يحقق في الكارثة
وفي إطار متابعة الكارثة عقد مجلس النواب جلسة طارئة الخميس الماضي، برئاسة المستشار عقيلة صالح، افتتحها بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح الشهداء ثم بدأ مناقشة قانون ميزانية الطوارئ الخاص بهذه الكارثة، وصوّت مجلس النواب خلال وقائع الجلسة بالإجماع على إقرار ميزانية طوارئ بقيمة 10 مليارات دينار ليبي لمعالجة آثار الفيضانات في المناطق المتضررة.
وطالب المجلس النائب العام بفتح تحقيق فوري في أسباب هذه الكارثة وبيان ما إذا كان هناك قصور أو تقصير من أي جهة كانت، على أن تشمل التحقيقات الحكومات المتعاقبة، وكلف مجلس النواب اللجنة التشريعية بالمجلس لإعداد مشروع قانون إنشاء صندوق إعمار ليبيا يُعرض على المجلس في الجلسات القادمة لاعتماده.
كما قرر استدعاء الحكومة الليبية ولجنة الاستقرار لمجلس النواب في جلسته الأسبوع المقبل للاستماع إليها حول ما تم اتخاذه من إجراءات حيال هذه الكارثة وتكليفها بما يلزم عمله بأسرع وقت ممكن.
وكذلك تكليف جهاز الطب والطوارئ بإدارة الأزمة الطبية في المناطق المنكوبة تحت إشراف ومتابعة لجنة الصحة، داعيًا الحكومة لمزيد من العمل في مواجهة الكارثة، كما شدد على أن “الحكومة مطالبة بإعادة الوضع إلى طبيعته في مدة لا تتجاوز 6 أشهر”، مؤكدا تشكيل عدة لجان لمتابعة العمل في المناطق المنكوبة جراء الفيضانات.
وقال النائب العام الصديق الصور إنه يسعى إلى إنهاء التحقيق بشأن الفيضانات في وقت أسرع مما يتوقعه الكثيرون، مضيفا:”سنتخذ جميع الإجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين حتى الموجودين في الخارج عن طريق الإنتربول”، مضيفا أن مكتب النائب باشر في استدعاء إدارة السدود والهيئات المختصة ووزارة الموارد المائية، و«لدينا الأن تحقيقات تفيد بأن السدين تم إنشاؤهما سنة 1978، متابعا: “قامت إدارة السدود عام 1998 باجراء دراسة أظهرت وجود تشققات وتصدعات وتبين وجود هبوط يقدر بنحو 65 ملم عام 1978، وصل 1072 ملم في سنة 1999.
وهذا ترتب عليه تكليف شركة إيطالية لإجراء كشف عن السدين، وانتهت الشركة إلى وجود هبوط وتصدعات في جسم السدين، وهو مايتطلب إجراء صيانة للمنشأة بالكامل.
كما تطلب الأمر دراسة لنواة السدين وهذه لم تكن متوفرة في الشركة آنذاك، كما تم تكليف مكتب استشاري سويسري في 2002 وانتهت الدراسات الى أن السدين يحتاجان صيانة حيث يوجد بهما تصدعات وتشقاقات قد تؤدي إلى انهيارات لأن المياه تسربت نتيجة التشققات إلى نواة السدين.
كما تم تكليف شركة تركية عام 2007 لإجراء الصيانة المطلوبة واقترحت الشركة إنشاء سد ثالث لحماية المدينة، بعد أن أثبتت الدراسات أن انشاء السدود كان بهدف حماية المدينة من الفيضانات وليس حفظ الأمطار، وتأخرت التكليفات في 2007، وتم التعاقد مع شركة تركية بمبلغ 39 مليون دينار وتأخرت الشركة في استلام الموقع حتى سنة 2008 حتى تدفع لها مستحقاتها في البدابة ثم باشرت العمل في 2010 ولكن بعد أشهر وقعت أحداث فبراير فتوقفت عن العمل.
ولفت الصور في تصريحاته، إلى أن دفن القتلى جراء الفيضانات يجري بالتنسيق بين النيابة العامة ووزارة الداخلية، كما أن أموال الصيانة دفعت مسبقا لصيانة السدين، وكل هذا محل تحقيق مكتب النائب العام.
وستشمل التحقيقات السلطات المحلية والحكومات المتعاقبة، وستضمن الكشف والمعاينة وحقوق الضحايا والأضرار لتحديد المسئوليات والقصور أو الأهمال إن وجد، ونعلن أننا سنتخذ إجراءات حاسمة وجادة، وبمجرد انتهاء التحقيقات والتوصل إلى تحديد أركان وعناصر الجريمة وتحديد مرتكبيها بالأدلة سنتخذ إجراءات سنعلن عنها حينها للرأي العام.
جهود الحكومة الليبية
من جهتها باشرت الحكومة الليبية برئاسة الدكتور أسامة حماد، منذ اللحظات الأولى من وقوع الأحداث عمليات الإنقاذ وانتشال العالقين تحت الأنقاض، ووجهت بضرورة اتخاذ ما يلزم لمساعدة المتضررين وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة في المدن المنكوبة بالجبل الأخضر، كما خصصت الحكومة نحو 200 مليون دينار ليبي للبلديات والمدن والمناطق المتضررة من السيول والفيضانات التي خلفتها العاصفة المتوسطية وذلك لمواجهة الأضرار الواقعة بمناطقهم ومدنهم.
وأكد حماد خلال مؤتمر صحفي أن حجم الدمار الذي خلفته الكارثة أوجب على الحكومة ضرورة مساندة القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبي للقيام بمسؤولياتها الدستورية تجاه الشعب.
وقال حماد إنه تم تشكيل لجنة عليا للطوارئ والاستجابة السريعة استعدادا لاتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الكارثة قبل وقوعها، لافتا إلى أن الحكومة خصصت مبالغ مالية عاجلة للبلديات المتضررة خاصة مدينة درنة المنكوبة لمجابهة المصروفات الضرورية، موضحا أن الحكومة خصصت ميزانية طوارئ خاصة لإعادة تأهيل وإعمار البلديات المتضررة من الكارثة.
وأشار إلى أن عمليات البحث والإنقاذ ما زالت مستمرة تحت الأنقاض وفي البحر من فرق متخصصة من عناصر القوات المسلحة العربية الليبية والهلال الأحمر وغيرها، وأن فرق البحث والإنقاذ المحلية والدولية تواصل الليل بالنهار لتجنيب درنة ويلات انتشار الأمراض والأوبئة.
متابعة آثار الأزمة
وناقشت الحكومة القضايا الأمنية والقانونية المتعلقة بالمفقودين والضحايا ودفن الجثث والتعامل مع الوضع في مدينة درنة التي أعلنتها الحكومة الليبية منطقة منكوبة، وجار متابعة سير عمل البحث والتقصي، وتجميع عينات الحمض النووي (DNA)، بمستشفى الوحدة التعليمي الهريش ومقبرتي الفتايح والظهر الحمر بمدينة درنة.
الحكومة الليبية في قلب الأحداث
وكان رئيس الحكومة الليبية رئيس اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة أسامة حمّاد، أجرى رفقة عضو اللجنة وزير الصحة الدكتور عثمان عبد الجليل، وعضو اللجنة ورئيس لجنة إعادة الإعمار والاستقرار حاتم العريبي والمهندس بالقاسم حفتر، زيارة ميدانية لعدد من المستشفيات الميدانية بمدينة درنة.
واطلع “حماد” خلال الزيارة، على أوضاع الناجين من السيول كما اطلع على الأوضاع الصحية والنفسية الصعبة التي تعرض لها بسبب فقدانهم لأشقائهم وأقاربهم وأصدقاء لهم في هذه الفاجعة.
وتوجه رئيس الوزراء بالشكر إلى كافة الأجهزة العسكرية والأمنية ومؤسسات الدولة والمواطنين من كافة ربوع البلاد على جهودهم المبذولة في البحث عن المفقودين جراء العاصفة.
وأكد وزير الطيران المدني بالحكومة الليبية وعضو اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة المهندس هشام أبوشكيوات في مؤتمر صحفي من مدينة درنة أن كل مطارات شرق البلاد تعمل على مدار 24 ساعة لاستقبال كافة الطائرات وبكافة أحجامها الكبيرة والمتوسطة.
وأضاف “أبوشكيوات” إن المطارات جاهزة بكافة الأجهزة اللازمة من مناولة وغيرها وكل الدول التي بإمكانها المساعدة نطالبها بإرسال المساعدات والمعدات خاصة إلى مطار الأبرق الذي يبعد 70 كيلو مترا فقط عن درنة.
كما أكد وزير العدل بالحكومة الليبية وعضو اللجنة العليا للطوارئ والاستجابة السريعة خالد مسعود، أن النيابة العامة قامت بواجباتها حيال تصاريح الدفن والنائب العام أرسل فرقة من وكلاء النيابة العامة الذين تمموا أعمال المحامي العام بمحكمة استئناف الجبل الأخضر.
وأضاف وزير العدل بالحكومة الليبية إن مركز الخبرة القضائية أرسل عددا من الأطباء الشرعيين إلى درنة، متابعا: “من يتم التعرف على هويته من الضحايا يتم التصريح بدفنه، أما من لم يتم التعرف عليهم ولا يوجد شهود إثبات حول هويته فيتم أخذ عينة منه لمطابقته مع أقرب الأقارب فيما بعد عن طريق الحامض النووي كما يتم تصوير بعض الجثامين”.
دراسات سابقة حول السدود
وتشير الدراسات السابقة حول سد درنة إلى إنه بلغ حجم الجريان السطحي الناتج عن العاصفة المطرية المسجلة أثناء فيضان عام 1986م في الحوض قيمة 14.8 مليون متر مكعب من المياه وهو تقدير مقارب للقيمة المسجلة من قبل الهيئة العامة للمياه ما يدل على دقة نموذج (SCS).
وتشير الدراسات السابقة إلى إنه من خلال الزيارة الميدانية لوادي درنة وجدنا بعض المساكن في مجرى الوادي الأمر الذي يتطلب توعية المواطنين بخطورة الفيضانات واتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة لسلامتهم.
وأكدت الدراسات أن بناء سدود درنة أنهى مشكلة الفيضانات بالمدينة، التي كانت تتسبب في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات، مثل فيضان 1941 الذي تسبب في خسائر كبيرة للجيش الألماني، وفيضان 1956، والفيضان الكارثي سنة 1959، وفيضان 1968، وفيضان سنة 1986 الذي رغم كبره إلا أن السدود لعبت دورها في منع حدوث الأضرار بالمدينة.
وتقول الدراسات إن فيضان سنة 1959 سيظل هو الأكثر إيلاما في ذاكرة المدينة بسبب عدد الضحايا والخسائر المادية قبل حدوث فيضان 11 سبتمبر 2023، وهو الأكثر شدة ودمارا وخرابا وإيلاما عبر تاريخ هذه المدينة لعدة أسباب منها: أن كميات الأمطار التي سقطت خلال فترة أقل من 24 ساعة تجاوزت في حوض تجميع الوادي 200 ملم، وهذا يعني أن حوض التجميع استقبل ما يزيد على 115 مليون متر مكعب من المياه، وهي كمية أكبر بكثير من قدرة تحمل السدود مجتمعة.
وهذه الكميات لم تسجل سابقا في كل الفيضانات المسجلة
العامل الآخر بحسب الدراسات هو وجود السدود خلال الخمسين عاما السابقة خلق حالة من الاطمئنان لدى الناس مما جعلهم يزحفون بالمباني والطرق والمنشآت على ضفاف الوادي التي لم تكن مقصودة عبر التاريخ بإنشاء الطرق والمباني.
العامل الثالث كما تشير الدراسات إلى أن فيضان 11 سبتمبر جاء بعكس الفيضانات السابقة حيث كانت المياه تتدفق بحرية من خلال المجرى، لكن هذا الفيضان كان بسبب ما تراكم خلف السدود من كميات كبيرة من العمران بالإضافة إلى ما جاء به الوادي من كميات إضافية هائلة من المياه مما جعل هذا الفيضان تاريخيا وغير مسبوق.
وأصبحت المدينة اليوم بدون حماية من أي فيضان آخر ولو كان بسيطا. وعليه يجب أن تتغير طريقة التعامل مع هذا الوادي من الجذور.
من جهته عبر الدكتور مصطفى الزائدي أمين اللجنة التنفيذية بالحركة الشعبية الليبية، عن حزنه الشديد، جراء العاصفة التي ضربت مدن شرق البلاد وحجم الخسائر التي خلفتها في الأرواح والممتلكات، مترحما على أرواح الضحايا، قائلا: “قلوبنا مع الناجين، وأنفاسنا محبوسة لمعرفة مصير المفقودين، رغم يقيني بأن التحقيقات الجنائية والتحليلات السياسية لن تضيف شيئا.
ليبيا تحتاج إلى عمل نوعى جبار
وأشار إلى أن ليبيا تحتاج إلى عمل نوعي جبار يتولاه رجال شجعان لإعادة بناء الدولة، وتخليصها من قبضة الفساد والنهب واللامسؤولية والعبث الأجنبي”.وحيا “الزائدي” جهود القوات المسلحة العربية الليبية رغم محدودية الإمكانيات في التخفيف من آثار الكارثة، متأسفا على غياب دور الحكومة المفروضة من الغرب والمهتمة فقط ببقائها ونهب الموارد.
وأضاف إن السؤال الذي يتردد بين الليبيين، لماذا لم تتم صيانة هذه السدود؟ وهل فعلا توقفت الشركة المتعاقد معها لصيانة سدود درنة والتي باشرت كما يقال عام 2010 لكن معداتها نهبت عام 2011 ولم تتمكن أو لم تُمكن من استئناف العمل بسبب فساد الإدارات المحلية والمركزية؟
وهل فعلا سرقت صنابير التنفيس وخربت معدات السد؟ ومن سمح للناس بالبناء في مجاري الوديان؟ ويبقى السؤال الأهم وهو يدور حول الحصار المالي الذي مارسه المصرف المركزي والحكومات المتعاقبة المفروضة في العاصمة على المنطقة الشرقية وسلطاتها المحلية؟
وقال أمين اللجنة التنفيذية بالحركة الشعبية الليبية: “نذكر سيادة النائب العام أنه يوجد طيلة ثماني سنوات، رئيسان لمجلس رئاسي وأحد عشر نائبا لهما، ورئيسان لمجلس الوزراء وستة نواب لهما، وزيران للمياه وستة وكلاء، ووزيران للمرافق وستة وكلاء، وهيئتان للمياه والسدود، ومجلس بلدي بدرنة، وأجهزة للخدمات العامة وأخرى للصيانة.
ورغم هذا الكم من المسؤولين كيف لم يلتفت أحد منهم أن السدود تحتاج إلى صيانات وترميمات دورية وكذلك إلى تطوير؟ فالسدود مهما كانت تقنية بنائها لها أعمار افتراضية وأبدا لن تستمر بنفس كفاءتها مدى الدهر.
وأشار إلى أن هذا الكم الكبير من المسؤولين في الواقع معنيون فقط بثلاثة سدود تقع مدن في مجاريها، وهي: حصرا وادي المجينين، ووادي القطارة، ووادي درنة
وقال رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من البرلمان، محمد عمر بعيو عبر، إن نحو 30 كيلومتر طول رتل واحد من أرتال “فزعة ليبيا” العظيمة، مقدمته شرق سرت ونهايته في بوابة الثلاثين غرب سرت.
وأضاف بعيو: “يا الله ما أعظمه من غيثِ دافق لم ينقطع منذ 7 أيام ولا يزال يتدفق.. أيها الشهداء الأبرار في الجبل الأشم ودرنة الجميلة هنيئاً لكم بالحُسنيين، الشهادة واجتماع شمل الليبيين”.

زر الذهاب إلى الأعلى