ملامح الحرب الباردة
محمد بوخروبة
حينما تتراكم الأحلام لدى المرء، تتحول تلك الأحلام المتراكمة إلى أوهام.. لذلك نجد أن لدى الكبار أوهاما أكثر مما لدى الشباب.. وكلما اتسعت دائرة الأوهام لدى المرء تقلصت لديه دائرة المعرفة.
الإعلام الغربي يركز الكاميرا على زيلينسكي، ويظهره في اللقاءات وخاصة في لقاءات القمم الغربية، وكأنه سوبرمان على شاكلة أفلام أكشن، أما في الواقع وبعيدا عن الكاميرات فإن القلق والخوف لا يغادره، حتى لو لحظة واحدة، في الحقيقة يعيش زيلينسكي بين نارين، إما الاستمرار في الحرب مع روسيا أو الاغتيال من قبل الاستخبارات الغربية، فله الخيار، وهذا الخيار يجسد حقيقة وجوهر الديمقراطية الأمريكية خاصة، وديمقراطية الغرب عامة، ولنا صداف مع الحقيقة الناصعة في المستقبل القريب.
الميكافيلية هي نهج سياسي قائم على الخداع والمكر والخيانة، إن نهج الغرب في السياسة هو نهج ميكافيلي بامتياز، أعتقد أن نهج السياسة الخارجية الروسية وحسب متابعتي المستمرة، يمثل نقيض الميكافيلية، فروسيا تدعو إلى علاقات دولية قائمة على المنفعة المتبادلة، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، وما يلزم ذلك من احترام سيادة كل دولة، ومع ذلك لا يبدو الأمر كذلك، فالناس منقسمون بين النهجين، النهج الروسي والنهج الغربي.
قمة الناتو الأخيرة في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا كانت، ورغم بيانها الموسع والشامل، ذروة حسابات المصالح الفردية للدول الأعضاء، وليست تضامن هذه الدول للدفاع عن المبادئ والقيم والأهداف المشتركة وتحقيقها.
ورغم طغيان الموضوع الأوكراني على جدول أعمال المؤتمر، والتكهنات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، بإجراءات سيُقبل عليها الحلف ضد روسيا، وتحديد موعد قبول أوكرانيا في الناتو، فإن واقع الأمر لم يكن كذلك، فالدول الأعضاء بغالبيتها لديها الكثير من المشاكل والأزمات الداخلية بسبب التضخم العالمي، وهي لا تريد تَحمل مزيد من الأعباء حمايةً لمجتمعاتها.
أما الولايات المتحدة عراب الحلف فهي ترغب في استمرار حرب الاستنزاف التي تخوضها روسيا في أوكرانيا مع منع توسعها وتطورها إلى حرب شاملة، لذلك تَوافق المجتمعون على استمرار الدعم العسكري اللوجيستي للقوات الأوكرانية وتأجيل دخول أوكرانيا في حلف الناتو، لِما يُشكل ذلك من تحدٍّ لروسيا سيؤدي حتماً إلى تصعيد عسكري لا مصلحة للحلف فيه.
بالملخص المفيد دلَّت قمة الناتو الأسبوع الماضي على أن الحرب في أوكرانيا ستستمر إلى أمد طويل، حرب استنزاف قاسية مدمِّرة لشعب بأكمله، إنها دوماً لعبة الأمم تتغلب فيها المصالح على المبادئ وتدفع الثمن شعوب مغلوب على أمرها.
ويلخص البيان المفصل في معرضه الاتجاهات السياسية المحورية والمبادرات الاستراتيجية والرؤية الجماعية لأعضاء الناتو.
ويشير تحول حلف شمال الأطلسي كما هو واضح في بيان القمة.. إلى استجابة للتهديدات المتصورة في المقام الأول من روسيا والصين، ويؤكد البيان توسع الناتو في مجالات جديدة إلى جانب توجهه الاستراتيجي نحو هاتين القوتين العالميتين، ويقول إن هذه العائلة من الخطط تشير إلى تحسين قدرتنا واستعدادنا لردع أي تهديدات والدفاع عنها، بما في ذلك تلك التي مع إشعار قصير أو من دون إشعار، وضمان تعزيز جميع الحلفاء في الوقت المناسب، ويدل هذا على شعور متزايد باليقظة ودورة تصعيد مقبلة من التوتر وتمهيد لحرب باردة بخاصة مع روسيا والصين.
ولا يخجل البيان من تسليط الضوء على التحديات التي تفرضها روسيا والصين، كما يعترف بالتحديات المنهجية التي تفرضها الصين على الأمن الأوروبي الأطلسي، ويعكس هذا مخاوف الناتو بشأن المواقف الحازمة لروسيا والصين، هذا إذا لم تصبح الحرب الأوكرانية خارج نطاق السيطرة، ولن تصبح.
كلما تابعنا أكثر نقاشات واشنطن بشأن الشرق الأوسط تيقنا أن الولايات المتحدة أضحت ترى في الصين وليس روسيا القوة الوحيدة القادرة على منافستها أمنيا وعسكريا وتكنولوجيا.. والحقيقة أيضا أن جميع دول الشرق الأوسط دون استثناء ترحب بانخراط الصين في المجالات الاقتصادية والتجارية ومنها إلى التعاون في مجالات أخرى.
فهل تتهيأ منطقتنا العربية لأن تصبح ميدانا للتنافس متعدد الأقطاب، أم أن هذا التنافس لن يحدث بين ليلة وضحاها؟