تلفزيون الواقع.. يجسد نظرية التكرار القهري
عفاف الفرجاني
ما يعرض اليوم من “فانتازيا” في مجال العمل الفني على صعيد التلفزيون أو السينما من تقنيات عالية في الإخراج، لا يعد ولا يقاس رغم ضخامته وسطوته أمام الحبكة الدرامية الكونية التي حيكت ضد ليبيا، والتي جمعت بين الدراما والتشويق والجريمة لأكبر برنامج في تاريخ المخابرات الدولية، حيث استعملت كل الأدوات التقنية في صناعة برنامج الواقع الذي أصبح أكثر متابعة (ترند)، ورصدت كل القدرات البشرية والمادية في عرض عالمي هو الأول من نوعه في تاريخنا المعاصر، كان هذا العرض من إخراج نخبة من فطاحل CIA الأمريكية ووكالة المخابرات DRSD الفرنسية ووكالة الاستخبارات Secret Intelligence Service (SIS) الإنجليزية والعديد من الوكالات القزمية العربية، حيث التشويق والمؤامرة والجريمة، كل هذه العناصر كانت كفيلة بإخراج أقوى برامج تلفزيون الواقع، مشوه السمات واضح الأركان، فعال الانتشار، ففي مشهد لطيران حلف النيتو يستهدف فيه رتلا مكونا من حوالي 50 سيارة، ليأتي الطيران الفرنسي بعده ينفذ عملية يطلق فيها القنابل العنقودية وبعض القنابل الأخرى الممزوجة بغازات سامة بالغة التحديد بشكل انتقائي عجيب تضرب تقريبا جل الآليات لتحدث انفجار ما عدا تلك السيارة!! في مشهد تراجيدي احترافي ليكتشف المتفرج أن داخل السيارة التي وقع عليها الاختيار لتكون الناجية، القذافي ورفاقه، برغم أن التصوير كان قد سجلته عدسة جهاز محمول بائس إلا أن الغريب وجود كرنفال إعلامي جمع كل وكالات الأنباء الدولية في مسرح المعركة في ذلك العرض اللاأخلاقي حينها!!
هذا المشهد من عمر البرنامج التلفزيوني والذي استمر أشهرا بوتيرة متسارعة استحدث ثورة في عالم صناعة تلفزيون الواقع ليصبح منهجا تسير على خطاه ليبيا الجديدة، فالبطل الشرير في البرنامج أصبح ثائرا، والمناضل المجاهد أصبح مجرما، والطيران الغازي يصبح طيور الله، كل هذه الحبكة الفنية اختزلت قيمتها في دقائقها الأخيرة والتي لم يتجاوز طولها 3 دقائق و38 ثانية، صنعت من تلفزيون الواقع الذي أعدته وأخرجته القوة الدولية في ليبيا مثلا يهتدى به، إن هذه الدقائق جردت بعضا من أبناء وطننا للإنسانية، وتجسد ذلك فوريا في مشهد لا يقل بشاعة عن مشهد التنكيل والتمثيل بالجثامين، وإعدام الأسرى، ليختم هذا السلوك الشيطاني بإخفاء جثامين شهداء الوطن في جنح الظلام ووضع كلمة end للبرنامج، وتبدأ مرحلة التكرار القهري التي تعد نظرية اجتماعية قديمة استخدمت على نطاق واسع، حيث يصف النموذج الذي يكرر فيه الناس بلا نهاية أنماط، والسلوكيات التي كانت صعبة أو محزنة في وقتٍ سابق من حياتهم لتصبح نهجا بعد ذلك.
هذا فعلا ما حصل لليبيين التكرار القهري للسلوك العدواني الذي مورس على القيادات الليبية الوطنية السياسية والأمنية والعسكرية والأكاديمية والمثقفين والأدباء والفنانين والشعراء…الخ من فئات المجتمع، أصبحت هذه التجربة تجسيدا حقيقيا لهذه النظرية وتجربة مجدية لغزو العالم وتدميره بنفس الطريقة.