الأمن الغذائي الوطني
عبد الله المقري
أمام الفاجعة التي تمر بها ليبيا في ظل حكومات من إنتاج الفساد والفوضى والعمالة، وفي ظل مؤسسات أمنية ورقابية تم ضربها وخلق مؤسسات بديلة لها تخدم هدف المؤامرة وأيدلوجية الإخوان التي يعبر عنها مشروعهم في الاستيلاء على السلطة السياسية والثروة وتحقيق اختراق كل المؤسسات الوطنية السيادية بما فيها المؤسسة العسكرية والأمنية والأجسام السياسية ما جعل المفتي وعصابته، والمشري وسطوته، وقيادات الجماعة الليبية المقاتلة واختراقها لمؤسسات الدولة هي الأخرى والسيطرة الكاملة من قبل قوى قبلية على وزارة الخارجية وسفاراتها والاستثمارات الخارجية وشركاتها جعل الدولة الليبية تغرق في الفساد، وأصبح من يتحكم فيها مع خضوعها للمشروع الخارجي من عمالة وتبعية أن تقع في دائرة الفشل والضعف والوهن وأن تصبح سجينة لهذا الكم الهائل من حجم التآمر الداخلي والخارجي وأن يصبح مشروع السلطة الهدف لتحقيق منافع ذاتية يحرمها القانون وتجرمها التشريعات الوطنية النافذة، وبمعنى ذلك كل أدوات هذا الصراع التي يشاهدها الليبيون ويعيشونها هي ضمن هذه الحقيقة التي تجرم كل من هم في المشهد السياسي الذي يبحث عن تحقيق أهدافه الفاسدة بوسائل دنيئة وغير مشروعة، وأمام ذلك يظهر عامل ليس هو بالجديد، ولكن خطورته أصبحت تهدد العالم لأكثر من 60 دولة بالمجاعة، وليبيا تأتي في أول هذه الدول، سيما أن حكوماتها المتنازعة والمتوازنة غارقة في الصراع على المغانم والثروة والصرف غير المشروع الذي يحقق المزيد من مافيات الاحتيال والسرقة في ظل انكماش أي دور فاعل للقوى الوطنية التي بعضها أصبحت تدخل في هذا المكون لأجل ما ينالها من الوظيفة وشراء الذمم والبحث عن استرداد حقوقها في المرتب والمزايا، ويصبح الوطن مكسبا حتى وإن كان غير مشروع، وبذلك تصبح السلطة وباروناتها أدوات غير شاعرة بخطورة سقوط مشروع الأمن الغذائي في خانات الفقر والعازة وإن قضية تصدير الحبوب الذي أوقفته روسيا الأسبوع الماضي نتيجة العملية الخاصة التي تقوم بها روسيا في جزء من الفضاء الجغرافي الذي فقدته بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فقرار توقف تصدير الحبوب من السهول الأوكرانية اتضح في الأخير بعدما أوقفته روسيا كان ضمن السنوات الماضية في خدمة سلطة كييف الأوكرانية وفي خدمة سمسرة تركيا ضمن أساليب حقيرة جعل بالأمس أن ترفع إيطاليا صوتها بأن الأمن الغذائي للدول بما فيها العربية سيجعل ذلك يمثل خطورة على التركيبة الاجتماعية والاقتصادية، وسيجعل الفقر والحرمان من وصول الحبوب وبطريقة معتادة أن تضيف إلى الصراع السياسي في بعضها مثل ليبيا والسودان وتونس وغيرها مصاعب خطيرة لأن السلطات في هذه البلدان تعيش فترات أقرب إلى العجز الكلي لتحقيق سياسات غذائية تبعد المجاعة عن شعوبها، وبعضها لم تتمكن من توفير العملة الصعبة لثمن الحبوب والزيوت وجميع عناصر ومتطلبات الاحتياجات من الغذاء لسد احتياجاتها من الخارج في ظل سياسات اقتصادية فاشلة لا يهم ذلك إلا أهداف زيادة جيوب الفاسدين في ظل استغلال حاجة الفقراء والجائعين.