مقالات الرأي

حرب الحبوب!!

مصطفى الزائدي

كشفت الحرب الأوكرانية هشاشة الاقتصاد الغربي المبني على تنمية النقود بوسائل غير إنتاجية، رغم احتكار الغرب لحقوق المعرفة لأغلب الاختراعات، وبينت ضعفه في مواجهة التحديات الصعبة التي تواجهه.
فعلى غير المتوقع ظهر أن مساهمة أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة الأمريكية في إنتاج الغذاء محدودة جدا، على عكس المنظومة الشرقية سابقا، فروسيا وحدها تنتج أكثر من 20 % من القمح والذرة في العالم، وأكثر من 15 % من الأسمدة تقريبا، وحوالي 5 % من إنتاج زيوت الذرة وعباد الشمس، تليها أوكرانيا تنتج حوالي 5 % من القمح والذرة، وأكثر من 15 % من زيت الذرة وعباد الشمس.
فلو أضفنا إنتاج دول أمريكا الجنوبية وآسيا وأستراليا وإفريقيا ستظهر محدودية مساهمة الدول الغربية المسيطرة على العالم في إنتاج الغذاء المتمثل في الحبوب واللحوم والسكر والزيوت!
الحقيقة إن الغرب لا تنقصه الإمكانيات والموارد المائية ولا الأراضي الصالحة للزراعة التي تمكنه من إنتاج كميات كافية من الغذاء، لكنه تعود على توفير احتياجاته منها من موارد الدول الأخرى، سواء التي كانت من مستعمراته ويستحوذ على كل إنتاجها أو تلك التي تدور في فلكه أو بالاستناد إلى أمواله الفائضة في خزائنه، واتجه الغرب بدلا من ذلك إلى اقتصاد يدر أموالا أكثر وبمجهودات أقل، فركّز على اقتصاد الدعاية والإعلان والرياضة والعروض والمضاربة والسياحة، مستفيدا من قدرته السياسية والعسكرية على الضغط والهيمنة وإزالة أي عوائق تواجهه.
فليس مستغربا أن تظهر للواجهة أزمة الغذاء العالمي منذ الأيام الأولى للحرب الأوكرانية، حيث هرع الغرب ليس للبحث في إيقاف الحرب، بل في البحث عن آليات للوصول إلى مخزونات الحبوب الأوكرانية لتسد به العجز الكبير في مخزون الغذاء في الغرب.
ولقد كان ملاحظا منذ اندلاع شرارة الحرب خلو رفوف الأسواق في أوروبا من المواد الغذائية، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، ولقد استغل أردوغان ذلك ونجح في خداع الرئيس بوتين بتوقيع اتفاق الحبوب، الذي نص على السماح بتصدير الحبوب والزيوت والأسمدة من موانئ البحر الأسود الأوكرانية والروسية، بهدف معلن زائف وهو مساعدة الدول الفقيرة في تأمين الغذاء ومنع حدوث مجاعة على المستوى العالمي، لكن بعد تنفيذ الاتفاق اتضح أن أكثر من 80 % من صادرات الحبوب والزيوت والأسمدة ذهبت إلى مخازن الدول الغربية، ونزر يسير وصل إلى الدول المحتاجة، وفي نفس الوقت استمر منع تصدير المنتجات الروسية بعدة ذرائع أساسها العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا وطالت معاقبة الشركات التي تتعامل مع روسيا، وهذا أثر على التأمين على صادراتها من شحنات الحبوب والسفن الناقلة وكذلك منع السفن الروسية من الرسو في الموانئ الغربية وموانئ الدول التي تدور في فلك الغرب، إضافة إلى العقوبات على التحويلات المالية ونظم المقاصة مع البنوك الغربية، وتفجير أنبوب تصدير الأمونيا الروسية المتجهة لأوروبا، لقد حرمت هذه الإجراءات الدول المحتاجة من الحجم الأهم للحبوب والزيوت والأسمدة ولم يتح للدول الفقيرة الاستفادة من القرار الروسي بتزويدها بالحبوب والأسمدة مجانا.
السؤال إلى أين تتجه الأحداث بعد تجميد روسيا مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب؟
لا شك أن الغرب لن يقبل شبح الجوع يتهدده، رغم عدم اهتمامه بأكثر من مليار إنسان يعانون ويلات الجوع نتيجة السياسات الغربية في العالم، وسيضطر الغرب عاجلا للدخول في الحرب مباشرة ليس دفاعا عن نظام عميل نصبه حارسا له على حدود الخصم التاريخي له، بل من أجل ضمان ملء مخازنه بالحبوب! وعندئذ يطرح السؤال الأخطر هل العالم على شفا حرب نووية؟

Back to top button