البعد الاقتصادي لثورة 23 يوليو
عثمان يونس
تصدر البعد الاقتصادي أولويات ثورة 23 يوليو، التي ركزت قراراتها المتعاقبة على تحديث الاقتصاد المصري وتطويره، حيث كان قانون الإصلاح الزراعي هو أول إنجازاتها بعد اندلاع الثورة بوقت قصير، الصادر في 7 سبتمبر 1952، وكان عادلاً لملايين الفلاحين، حيث استعاد توازن المجتمع من خلال إعادة توزيع الثروة والدخل والسلطة الاجتماعية في الريف المصري، وخلال فترة تطبيقه منذ العام 1952 وحتى عام 1970، تم توزيع حوالي 818 ألف فدان على 342 ألف أسرة، بعدد يصل إلى 1.7 مليون فرد، استفادت هذه الشريحة من هذا القانون، وانتشلتها من خانة فقر لتصبح شريحة منتجة ساهمت في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للدولة المصرية، فضلاً عن أنها حققت وفورات كبيرة في الإنتاج الزراعي.
وفي إطار تخليص البلاد من الهيمنة والتبعية وتأكيد سيطرتها على مقدراتها كانت قرارات ثورة يوليو المصيرية بتأميم قناة السويس وتأميم الشركات النفطية في إطار تأميم قوت الشعب واستيفاء حقوقه بعيداً عن سياسة النهب الممنهج التي استمرأتها هذه الشركات لنهب ثروات الشعب ومصادرة حقه في تملك ثرواته وإدارتها بعيدا عن الوصاية.
وفي المجال الاقتصادي أيضا أقامت ثورة يوليو المصانع في كامل ربوع مصر جنوبها وشمالها، شرقها وغربها، ويعتبر مصنع الحديد والصلب في حلوان شاهداً على نجاح المشاريع الصناعية التي أطلقتها والذي أنهى الاعتقاد القائل إن مصر دولة زراعية فقط، علاوة على ذلك، أصبح الاقتصاد المصري أكثر قوة من خلال تأميم بعض المشاريع ومنها قناة السويس، بالإضافة إلى بناء السد العالي الذي لم يغير نمط الحياة في مصر فحسب، بل كان أيضًا نموذجًا للإرادة القوية في مواجهة أصعب التحديات التي استهدفت عرقلة هذا المشروع القومي، وهو ذلك المشروع الذي ساهم في تحقيق الاستغلال الأمثل لمياه نهر النيل المهدرة في البحر وما كانت تسببه من كوارث بسبب الفيضانات التي تحدث على مسار النهر في المدن المصرية وخاصة في القاهرة، فضلاً عن أن هذا المشروع ساهم في زيادة المخزون المائي للدولة المصرية وزيادة حجم إنتاجها الزراعي ناهيك عما يوفره من إنتاج الطاقة الكهربائية.
خلال العقد الذي أعقب ثورة يوليو 1952، تبنت الثورة برنامجًا موحدًا للتنمية الوطنية، كان محورها هو برنامج إحلال الواردات المكثف الذي يهدف إلى زيادة الإنتاج الصناعي المصري وضمان الاكتفاء الذاتي الاقتصادي، إلا أن شعار التخطيط الاقتصادي المصري “من إبرة إلى صاروخ” هو أكثر من مجرد تعليق على مجموعة السلع التي تأمل المصانع المصرية إنتاجها، وأشار إلى التزام النظام بـ “إضفاء الطابع الديمقراطي على الرفاهية” حيث تتبنى الدولة توفير مجموعة من الخدمات والمزايا – من الرعاية الصحية والإسكان والتعليم للوصول إلى أشكال جديدة من ثقافة المستهلك – التي حددت “أسلوب حياة أفضل” ووعدت بجعل هذه الحياة في متناول شريحة أكبر من الشعب.
ومن هنا كانت ثورة يوليو قد أرست الأساس لاقتصاد وطني مبني على ركيزتين قويتين؛ الصناعة والزراعة، والتي استكملتها الدولة المصرية المعاصرة في إقامة العديد من المشاريع العملاقة التي تشكل قاطرة للتنمية المستدامة، وخاصة قناة السويس الجديدة التي تم استكمال تنفيذها في أغسطس 2015 بتمويل محلي كامل، بالإضافة إلى مشروع تطوير محور قناة السويس الذي يهدف إلى جعل منطقة القناة مركزًا عالميًا للملاحة البحرية ومركزًا لوجستيًا، هذا عدا عن المصانع العملاقة التي تم تنفيذها في أغلب المناطق المصرية.
من ناحية أخرى، كانت العدالة الاجتماعية مبدأً أساسياً لثورة يوليو. يلعب البعد الاجتماعي حالياً دوراً رئيسياً في كافة المشاريع التنموية التي يتمثل أساسها الأساسي في توفير الحياة الكريمة لجميع المواطنين.
يمكن القول إن ثورة 23 يوليو نجحت في إرساء أساس قوي للعديد من الصروح الزراعية والصناعية التي استهدفت العدالة الاجتماعية وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري، وهكذا، وبعد مرور ما يزيد على 70 عامًا على اندلاع ثورة يوليو المجيدة، تسير مصر بخطى ثابتة نحو المستقبل، وما الإنجازات التي تحققت خلال السنوات القليلة الماضية إلا تأكيد على صحة المشروع الاقتصادي لثورة يوليو، وأن الشعب المصري بكل قواه الوطنية، مدعوما بجيش وطني قوي، قادر على ضم صفوفه أمام أصعب التحديات، وتاريخه مع مشروع بناء السد العالي وتأميم قناة السويس رغم ما واجهه من صلف وتكبر من الدول الاستعمارية إلا دليل على صدق التوجه وإشارة إلى أن القادم سيكون أفضل لهذا الشعب رغم ما يواجهه من أحداث ومصاعب وتحديات.