الديمقراطية من هتلر إلى ترامب
ناجي إبراهيم
الديمقراطية التي يتغزل بحسنها وجمالها الشبكات الإعلامية الدولية وحتى رادو تاطاوين وجيِّشت من أجلها الأساطيل والجيوش وحملتها طيور الأبابيل الأطلسية إلى الليبيين في عام صرخ فيه البوم وسط شوارع بنغازي وقبلها قدم هشام الشوشان قرباناً لها في البيضاء، هي وسيلة لبلوغ أحد المتصارعين بشكل سلمي (يجوز استخدام اللكمات، والزيت والسكر فقط) إلى كرسي السلطة من شارع السكة إلى البيت الأبيض، الفرق القابع في شارع السكة جاء بأصوات 75 شخصاً لا نعرفهم وحتى هم لا يعرفون بعضهم اختارتهم وليامز، والساكن في البيت الأبيض جاء بأصوات الملايين التي وقفت في طوابير طويلة لتتنازل له عن سلطتها وتعطيه التوكيل لتعود وتصرخ في الشارع (ديمقراطية الصراخ)، تلك هي ديمقراطيتهما التي سمحت للمجانين والمعتوهين بازدراء الأديان وتمنعهم من التشكيك في واقعة الهولوكوست حتى لو كانوا مجانين ستلاحقهم المحاكم والقضاء الأوروبي، نفس القضاء الذي يحمي المواطن العراقي الذي أقدم على حرق المصحف الكريم في السويد، وصاحب آيات شيطانية (سلمان رشدي) بحجة حرية التعبير التي تستخدم بشكل مزدوج، انتهاك مشاعر المسلمين (حرية تعبير) والتشكيك في الهولوكوست (معاداة للسامية وتحريض على الكراهية)، وهذه الآلية قد توصل نيرون أو المسيح إلى السلطة، وهي التي ساقت هتلر للسلطة في القرن الماضي، وأتت بدونالد ترامب في هذا القرن، كلاهما تفرّد بالقرار وأظن أن ذلك يسمى (استبداد).
الانتقال من نظم سياسية استبدادية تقوم على نظرية التفويض الإلهي إلى نظم ترتدي ثوبا ديمقراطيا مزيفا يستند إلى تفويض شعبي لم يحقق سعي الشعوب نحو الديمقراطية الحقيقية التي تقوم على الحكم الشعبي، ويستمر سعي الشعوب نحو إقامة نظم ديمقراطية بأشكال مختلفة تتمظهر في الانتفاضات والتظاهرات والعزوف عن المشاركة في الانتخابات، جميع النظم السياسية التي ترفع شعارات ديمقراطية لم تستطع إيجاد آلية عملية وحقيقية تسمح للشعوب بممارسة حقها في السلطة بحجج ومبررات استحالة جمع الملايين في قاعة واحدة كالتي أقامتها أثينا والتي تخلت عنها إلى النظام النيابي بنفس الحجج والمبررات.
الديمقراطية لا تقبل القسمة على أي رقم ولا يوجد مبرر لتركها ببعض الحجج التي بالإمكان دحضها لوجستياً وتدحضها التحولات الرقمية والهندسية التي جعلت الالتقاء عبر كل الفضاءات والوسائط متيسرا وممكنا، ولا يوجد ما يمنع ذلك إلا النظم الأوليغارشية والثيوقراطية والطبقة الرأسمالية التي استفادت كثيراً من ترك الديمقراطية واستبدالها بنظم حكم نيابية تسمح بوصول عدد قليل من الناس لممارسة السلطة نيابة عن ملايين من الناس لم تنتخبهم، ويصبح بالإمكان استخدام هذه القلة (في صنع سياسات تخدم مصلحة الطبقة الرأسمالية) من خلال دعمهم مادياً للوصول إلى مؤسسات صنع القرار أو ابتزازهم فيما بعد من أجل تمرير بعض القرارات التي تخدم مصالح طبقتهم وتراكم الثروات في جيوبهم.
ليست ثمة مبرر منطقي يحرم الملايين من المواطنين في أي بلد من ممارسة حقهم الطبيعي في ممارسة السلطة إلا رغبة القوى التي تستفيد من تغييب الشعب.
تمكنت القوى التي تسيطر على الثروة والسلاح ووسائل الإعلام من الهيمنة على مراكز القرارات في الدول التي تطبق النظام النيابي وبأشكال مختلفة، ومنها سيطرتها على المجالس التشريعية وعلى الحكومات وبممارسة الضغوط على الحكومات والبرلمانات باستخدام وسائل الترهيب والترغيب (العصا والجزرة) وإقصاء الشعب صاحب الحق عن السلطة، وأعطت له الحكومات الحق في الصراخ وأعطت لنفسها الحق في فعل ما تشاء.
رأيت أن أكشف بعضا من الأكاذيب والادعاءات التي ترفعها النظم السياسية الدكتاتورية في الغرب والمتشبهون به في العالم وللمبهورين بما تسوقه وتسوِّقه وسائله الدعائية من حرية وديمقراطية وحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية، فكل ما يرفع ويسوّق هو مجرد دعايات مبرمجة وممنهجة تهدف إلى استغفال الشعوب والضحك عليها وتحصين النظم الأوليغارشية والفاشية، ولو كانت جاءت عبر الصندوق الذي تتنافس عليه القوى المهيمنة على المال والإعلام وعلى السلاح في بعض البلدان ويقصي الشعب وأبناء الطبقات الفقيرة من خوض هذا السباق.
وسيستمر الصراع وبأشكال متعددة ومضطردة، ستخرج الشعوب لتعارض السياسات الحكومية التي لا تعبر عن أمانيهم وطموحاتهم، وستواجههم الحكومات بالقنابل والمياه الفائرة حتى تتحقق الديمقراطية الحقيقية التي تقوم على الحكم الشعبي.