مقالات الرأي

هل العالم يتجه نحو الثنائية القطبية؟

علي الصغير

بعد أن سيطرت أحادية القطب المتمثلة في الزعامة أو الهيمنة الأمريكية لردهة من الزمن عقب إعلان نهاية حلف وارسو في الاجتماع الذي عقدته الدول المتبقية في المجر على مستوى وزراء الدفاع فبراير عام 1991 وأعلنوا فيه نهاية الحلف. وقد أعقبه في نفس العام ديسمبر 1991 تفكك الاتحاد السوفيتي رسميا. وأصبح العالم يدار بأحادية قطبية أمريكية مدعومة أوروبيا ومسنودة بحلف الناتو، وتحول العالم إلى ما يشبه المنضدة برجل واحدة وفقد توازنه وتضررت عدة دول من هذا التحول الدراماتيكي غير المتوقع خاصة تلك التي كانت تدور في فلك حلف وارسو أو التي تربطها علاقات ومعاهدات مع الاتحاد السوفيتي لتجد نفسها في مواجهة حملات انتقامية أمريكية وصلت إلى التدخل المباشر وقلب أنظمة وتدمير مقدرات. وحصلت عدة اضطرابات وحروب لا يزال العالم يعاني منها حتى اليوم.
إلا أنه في الآونة الأخيرة من بضع سنوات بدأت تظهر بوادر لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأحادية والتفكير جديا من عدة دول بضرورة إرجاع التوازن القائم على الرعب بين قوتين تمتلكان أدوات التدمير بشكل متساوٍ لا تفوق فيه لطرف على الآخر..
وهذه المرة تكون القيادة والثقل الاقتصادي للصين والرمزية والردع النووي لروسيا..
وبدأنا نشهد إلى حد ما فرملة للتقدم الأمريكي، وما حرب القوقاز وحرب العراق إلا بداية.. وما بعدها الحرب في سوريا واليمن وإلى حد ما ليبيا الآن.. ولعل آخرها حرب أوكرانيا التي نزعت اللثام وكشفت أن أمريكا لم تعد وحدها قادرة على فرض رؤيتها في في الحفاظ على أمن النظام العالمي أو السلم الدولي كما يسمونه. وإن ماردا جديدا بدأ يزحف منطلقا من موسكو إلى بكين إلى نيودلهي وبيونغ يانغ، ليصل إلى إيران والعراق وسوريا ولبنان.
ويمكن القول إن العالم يشهد حاليًا تحولًا نحو الثنائية القطبية، حيث تتنافس الولايات المتحدة والصين على الهيمنة الاقتصادية والسياسية العالمية، ويتجلى هذا التحول في العديد من المجالات، منها الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والأمن الدولي.
ففي المجال الاقتصادي، تسعى الصين لتعزيز مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، وتسعى الولايات المتحدة للحفاظ على مكانتها كأقوى اقتصاد في العالم وحماية مصالحها الاقتصادية.
وفي المجال التجاري، تتنافس البلدان على الوصول إلى الأسواق العالمية وتوسيع حصتها فيها، ويشهد العالم حربًا تجارية بين الصين والولايات المتحدة تسببت في تبادل رسوم جمركية وتأثرت المنتجات الصينية والأمريكية.
وفي المجال التكنولوجي، تتنافس الصين والولايات المتحدة على الهيمنة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والاتصالات اللاسلكية والإنترنت.
وفي المجال الأمني، تتنافس الصين والولايات المتحدة على الهيمنة في المنطقة الآسيوية، وتتنافسان على النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. وعليه فإنه يمكن القول إن الصين قد تبنت الحرب الاقتصادية كوسيلة لاستعادة التوازن الدولي أو التعددية القطبية.
في حين أن روسيا فيما يبدو أنها اختارت تغيير خارطة التحالفات وافتكاك مناطق نفوذ وهيمنه من أمريكا.. عن طريق إيقاف المشروع التوسعي الناتوي.. واستعادة نفودها السابق.
ولكن يجب الإشارة إلى أن هذا التحول نحو الثنائية القطبية ليس بالأمر السهل، حيث يواجه العالم تحديات كثيرة ومعقدة في سبيل تحقيق التوازن والاستقرار في العلاقات الدولية، ومن المهم التأكيد على أن الحوار والتعاون بين الدول هو الطريق الأفضل للتصدي لهذه التحديات وبناء مستقبل أفضل للعالم.
وهناك العديد من التحديات التي يواجهها العالم في سياق التحول نحو الثنائية القطبية، ومن بين هذه التحديات:
(التجارة الدولية – الأمن الدولي – الهجرة واللاجئين – التغير المناخي – الصراعات الإقليمية – تحديات الصحة العامة).
وإن لم يشهد العالم ثنائية قطبية أو تعدد أقطاب فيكفي أن تتشكل قوة تستطيع فرملة التغول الإمبريالي وإحداث ممانعة أو ثلث معطل وخلق نوع من التوازن ولو بالحد الأدنى، وهذا مؤكد وفق المعطيات على الساحة الدولية الآن.

زر الذهاب إلى الأعلى