تقاطعات المصالحة!
مصطفى الزائدي
حاول الاتحاد الإفريقي منذ الأيام الأولى للأزمة الليبية أن يتدخل لوضع حلول وتجنيب البلاد ما وصلت إليه رغم الضغوطات الشديدة التي تعرض لها، وتشكلت لجنة رفيعة المستوى من خمسة رؤساء دول برئاسة الرئيس الكونغولي “ساس انجيسو”، بذلت اللجنة جهودا لوقف تداعيات الأزمة وتجشم الرؤساء المخاطر وزاروا طرابلس فلاقوا كل ترحيب ودعم، أما في بنغازي وبتوجيه فرنسي فقد أدار لهم المتصدرون للمشهد وقتها ظهورهم، وأساءوا إليهم، ومنعوا في مرات عديدة من قبل الناتو من التوجه إلى ليبيا، وألقيت مقترحاتهم في سلة المهملات، وأدارت الدول الغربية الكبرى الصراع لمصلحتها، فدمروا البنى التحتية للجيش والأمن، ودمروا مؤسسات الدولة ومقارها بشكل ممنهج، واغتالوا في أبشع عملية اغتيال وحشية قيادة الدولة السياسية والعسكرية، واستحوذوا على كل ثرواتها وسيطروا على مواردها ومقدراتها.. لكن القادة الأفارقة، وليقينهم بأن ما يجري في ليبيا يؤثر سلبيا ومباشرة على كل دول وشعوب القارة، تمسكوا بالمحاولة ولم ييأسوا رغم تعنت الغرب ورفضه إشراكهم فيما يسمى العملية السياسية التي استبعد منها الاتحاد الإفريقي.. تولى الغرب مباشرة من خلال سيطرتهم على مجلس الأمن العملية السياسية في ليبيا وأدارها بواسطة سفراء الدول الأوروبية الغربية الخمس المتنفذة، والمبعوثين الذين يتم فرضهم على الأمين العام، وعمل على إدارة الأزمة وليس حلها، بل عمد الغرب على تأجيج الصراع بخلق بؤر توتر وتمويلها، ونشر فتن مستدامة في بلد موحد دينيا ومذهبيا واجتماعيا، وخال تماما من أية صراعات قبلية، فتم اختراع أكذوبة الصراع بين الشرق والغرب، وبدعة الأقليات تحت مسمى المكونات الإثنية، والهدف واضح وجلي وهو استمرار الهيمنة الغربية، على ليبيا ونهب مقدراتها.. فلقد عمل الغرب على منع تكوين سلطة تتمتع بشرعية ليبية، وعلى العكس فرض شخوصا لتولي السلطة ومنحهم دعما وشرعية من مجلس الأمن، وقاوم الغرب الجهود الوطنية لبناء جيش ومؤسسة امنية على أسس مهنية حرفية ولاؤها للوطن وليس للغرب، وأسس ودعم ومول مجموعات مسلحة تدور في فلكه ومكّنها بقوته العسكرية من السيطرة على العاصمة وإدارة المؤسسات المهمة وخاصة المصرف المركزي.لكن الاتحاد الإفريقي رغم كل ذلك يحاول مساعدة الليبيين من خلال دعم مشروع المصالحة الوطنية رغم ما يواجهه من عراقيل.. أغلب الليبيين يثقون في الاتحاد الإفريقي وحياديته وحرصه على مصلحة ليبيا، لكن الغرب يحاول عرقلة أي دور فعال له حتى في ملف المصالحة، لعلمه بعدم وجود مشاكل عميقة بين الليبيين تمنع المصالحة التي تساهم في إعادة بناء الدولة.
رسالتي إلى الاتحاد الإفريقي، يمكن تلخيصها في نقطتين، الأولى أن الليبيين شعب موحد كليا يندر وجود شبيه به في التكوين، فكل الليبيين مسلمون سنة، 95 % منهم مالكية و5 % إباضية، وهذا يبين سبب فشل الأفكار التكفيرية والأحزاب المبنية على أيديولوجيات مذهبية، ومن جانب آخر أغلب الليبيين ينتمون إلى قبيلة واحدة هي بني سليم، والعلاقة بين القبائل كانت عبر التاريخ علاقات أخوة وتحالف ضد معتدٍ خارجي، ولم يسجل التاريخ الليبي إطلاقا اقتتالا بين العرب والبربر أو التبو والطوارق، ولا الشرق أو الغرب، ولعل معركة القرضابية في سرت عام 1915 ضد الطليان نموذج توحد كل القبائل من الشرق والغرب والجنوب ضد غازٍ جاء من وراء البحر، وأيضا قبائل من الغرب تشكل نسبا كبيرة من السكان في الشرق، وقبائل من الشرق تعيش في الغرب وهكذا الشمال والجنوب.. وثانيا، في تصوري أن المصالحة لا ينبغي أن تركز على حوار من أجل تفاهم أطراف طامعة كلها في السلطة على تقاسمها فيما بينهم، ولا أن يتولاها طرف من تلك الأطراف كما يجري الآن في محاولة لتقديم المجلس الرئاسي كجسم جامع محايد وهو ليس كذلك فهو ورئيس الحكومة فريق رباعي واحد فرضتهم السيدة “ستيفاني” وبإخراج رديء.
المصالحة أساسا ينبغي أن تركز على أصل المشكلة وطرفيها الأساسيين مؤيدي النظام السابق والأطراف التي عملت بنوايا بعضها صادق لإسقاطه ووجدها الغرب ذريعة مناسبة للتدخل، ودون الدخول في تفاصيل الصراع وأسبابه التي صارت من التاريخ ينبغي أن يكون موضوع المصالحة الأساس هو البحث في آلية لعقد مؤتمر تأسيسي وطني لبناء ليبيا جديدة على قاعدة المساواة والديمقراطية والعدالة.