يثير ردود فعل مجلس النواب والقوات المسلحة – استئثار الحكومة منتهية الولاية في طرابلس بعوائد النفط والغاز
متابعات – منيرة الشريف
منذ سنوات يتصرف المصرف المركزي والحكومات المتتالية بطرابلس في كامل عوائد النفط والغاز ويمنعونها عن أغلب المناطق الليبية، وفتح ذلك أبواب الفساد على مصاريعها، كما أدى إلى ردود فعل من الأوساط الشعبية التي صعدت مطالبها بضرورة التوزيع العادل للموارد وصرفها بشفافية لمصلحة المواطنين كافة.
مجلس النواب قرر في وقت سابق ضرورة النظر في توزيع عوائد النفط والغاز، وتقدمت الحكومة الليبية المشكلة من المجلس، بدعوى لوضع اليد على حسابات المؤسسة الوطنية للنفط في المنطقة الشرقية، وأصدر القضاء حكما بتجميد حسابات المؤسسة وعدم التصرف فيها.
ومن جهته طالب القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر بتشكيل لجنة رفيعة المستوى تتولى توزيع عوائد النفط والغاز على الليبيين بالعدالة.
وقال في كلمته بحفل المعايدة الذي أقيم بمناسبة عيد الأضحى المبارك، الأسبوع الماضي، والذي حضره قيادات عسكرية وأمنية: في حالة عجز هذه اللجنة أو فشلها في تنفيذ مهمتها فإن الليبيين جميعهم سيكونون في الموعد.
وكشف القائد العام عن حجم الفساد الذي يضرب المؤسسات الليبية، مؤكدا أن عملية توزيع الثروات النفطية يجب أن تتم الآن عبر لجنة مختصة.
واستطرد قائلا: الحاجة ملحة لاتخاذ خطوات عملية لتوزيع عائدات النفط بشكل عادل، فتقارير الرقابة الإدارية والمالية في طرابلس كشفت فسادا صادما في كافة المؤسسات العامة، وكشفت عن إهدار أكثر من 200 مليار دينار ليبي خلال سنتين.
وأكد المشير خليفة حفتر أن المصرف المركزي ارتكب جرائم في الاعتمادات المستندية وأهدر المليارات، والمنطقة الشرقية لم تمنح إلا 7 % من الاعتمادات، فالمصرف المركزي بطرابلس منح شركة خاصة في عام واحد 10 مليارات دولار.
وأشار إلى أن الحكومة صرفت خلال العام 2022 فقط 128 مليار دينار، وهناك كارثة مالية واقتصادية ونهب للمال العام وعجز للأجهزة الرقابية، رغم أن ليبيين يتضورون جوعا ويعيشون تحت خط الفقر.
وتابع: تلقينا مطالبات شعبية بتشكيل لجنة عليا للترتيبات المالية لإدارة المال العام بطريقة عادلة، وفي حال تعذُّر تمكُّن اللجنة خلال مدة أقصاها نهاية أغسطس المقبل من إنجاز أعمالها، سيطالب الشعب بحقوقه المشروعة في ثروات النفط.
وأمر القائد العام، أثناء كلمته القوات المسلحة بأن تكون على أهبة الاستعداد لتلقي الأوامر والتعليمات في الموعد المناسب، رافضا تطاول بعض سفراء الدول الأجنبية في ليبيا وفي مقدمتهم المبعوث الأمريكي السفير ريتشارد نورلاند، موضحا أن سفراء الدول الأجنبية أثبتوا فشلهم الذريع في تحقيق أي نتيجة تساهم في حل الأزمة الليبية، مؤكدا أنهم ساهموا في تعميق الخلافات بين أبناء الشعب الليبي الواحد.
وأضاف: إن الانتخابات الحرة النزيهة ستجرى بإذن الله وتوفيقه، والتي سيعبر فيها الليبيون عن إرادتهم دون وصاية من أحد ولو بعد حين.
وأشار المشير خليفة حفتر إلى أن المجتمع الدولي لم يقدم أي دعم في مواجهة الإرهاب والهجرة ولا يقدم غير عبارات الشكر فقط، مطالبا بضرورة معالجة الانهيار الاقتصادي والوضع المتفاقم.
وبعد أيام قليلة من مطالبة القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر بتشكيل لجنة رفيعة المستوى لتوزيع عوائد النفط والغاز على الليبيين بالعدالة، أعلن المجلس الرئاسي عن تشكيل لجنة عليا لتنظيم الإنفاق العام، وأوضح أن الأحكام الواردة فيه “مؤقتة” تهدف لاعتماد ترتيبات مالية ومتابعة الإنفاق الحكومي “وفقا لمبدأ الرشد المالي والتوزيع العادل في ظل الظروف الاستثنائية للدولة”.
وتضم اللجنة في عضويتها ممثلين عن كل الأطراف الليبية بينهم نواب في مجلسي النواب والدولة، والقيادة العامة للقوات المسلحة، ومصرف ليبيا المركزي في كل من طرابلس وبنغازي، وديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، إضافة إلى رئيس المؤسسة الوطنية للنفط.
وتوالت ردود الأفعال حول ما ورد في كلمة القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر، وما أعقبها من قرار المجلس الرئاسي بتشكيل لجنة عليا لتنظيم الإنفاق العام.
من جهته باركت بعثة الأمم المتحدة للدعم، وسفارات الدول الغربية المهيمنة، قرار المجلس الرئاسي بتشكيل تلك اللجنة، إلا أن المراقبون يرون فيها التفافا على المطالب الشعبية، ومد حبل نجاة لرئيس الحكومة ومحافظ مصرف ليبيا المركزي.
وأشاد أمين الحركة الوطنية الشعبية الليبية، الدكتور مصطفى الزائدي، بكلمة المشير خليفة حفتر، معتبراً أنها تعبر عن تطلعات الشعب الليبي.
وقال الزائدي، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن الموقف الذي أعلنه القائد العام للقوات المسلحة حول التدخل السافر للسفراء في الشأن الليبي، وضرورة محاربة الفساد وإهدار المال العام يعبر عن تطلعات أغلب الليبيين.
وأكد أن النخبة الوطنية يفرض عليها الوقوف مع القوات المسلحة في معركتها لحماية الوطن والحفاظ على استقلاله وسيادته.
وحول قرار الرئاسي بشأن تشكيل لجنة عليا لتنظيم الإنفاق العام، قال الدكتور مصطفى الزائدي: هناك مافيات محلية وخارجية تسيطر على ثروات البلاد وتسعى لإبقائه تحت هيمنتها، والجيش مهمته حماية الوطن وثرواته، ووضع حد لحالات النهب والتبذير، والمعاناة لا تطال منطقة معينة أو جزءا بحد ذاته، بل المناطق الليبية كافة تعاني بؤسا شديدا.
وأضاف في تصريح تلفزيوني: إن ليبيا تتعرض لنهب محلي وخارجي، وأن الثروة الليبية موضوعة تحت الوصاية الدولية والتصرف الدولي، وعلينا مواجهة ذلك وبقوة.
وتابع: كان لابد للجنة التي شكلها المجلس الرئاسي أن تتم بالتوافق والتفاهم بين مجلسي النواب والدولة، وهذا ممكن، ولكن تشكيل لجنة من أي جهة أخرى لا تكون ذات فاعلية، وهو التفاف على المطالب الشعبية بإيقاف إهدار الموارد وإعادة توزيع الثروة، والدبيبة وأعوانه يريدون إبقاء السيطرة على الموارد العامة لتحقيق شرعية.
وعلق عضو مجلس النواب علي الصول، قائلا: إن الخطاب كان ممتازا، ودعا فيه حفتر لوحدة ليبيا واستقرارها وعدم عرقلة الانتخابات وأن تكون على قاعدة صلبة.
وأضاف في تصريح صحفي: إن خروج القوات الأجنبية من ليبيا ودعم قرار الحكومة الليبية بخصوص عوائد النفط والتركيز على حقيقة الوضع في ليبيا ومطالبة عدم تدخل السفير الأمريكي في الشأن الليبي هو مطلب كافة الليبيين.
وكتب الصحفي محمد بعيو عبر حسابه على فيسبوك: قرار المنفي هو محاولة للالتفاف لمصلحة عصابة النهب الدبيباتية على الضغوط الشعبية والوطنية المتزايدة لإيقاف نهب ثروات لـيـبـيـا، وتحقيق العدالة بين الأقاليم الثلاثة والمناطق والبلديات، في إيرادات النفط والغاز، وإيقاف التغول الإجرامي على الإيرادات والاحتياطيات النقدية والاستثمارات الداخلية والخارجية، من طرف مافيا محلية ذات امتدادات خارجية، وللالتفاف على قرار مجلس النواب رقم 2023/49 بتشكيل لجنة لوضع هيكل الميزانية العامة وضبط الإنفاق برئاسة السيد فرحات بن قدارة، ولقطع الطريق على الموقف المعلن والحاسم للمشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي، وموقف الحكومة الليبية الشرعية.
وأضاف: وفي مناورة سخيفة وحقيرة لإحراج القائد العام والحكومة الليبية وإظهارهما أمام الشعب الليبي بمظهر الشركاء في الفساد والصفقات وتقاسم الغنيمة، تم وضع عضوين محسوبين عليهما هما السيد حاتم العريبي والسيد مرعي البرعصي، ضمن لجنة المنفي غير الشرعية.
وختم بعيو قائلا: أناشد المشير حفتر والحكومة الليبية رفض هذا القرار، وأناشد كل الوطنيين الليبيين، خاصة في مجلس النواب إيقاف هذه المهزلة، وحسم الموقف فوراً، وإذا لم يفعلوا ذلك فليتحملوا مسؤوليتهم أمام الشعب الليبي، الذي عليه أن يتحرك بكل الوسائل لتحرير وطنه وثروته وتقرير مصيره واستعادة حقه المطلق في إنتاج السلطات، عبر فرض إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية دون انتظار، فقد ضاع ما يكفي من زمن الوجود، الذي لم يعد قادراً إذا لم يحدث التغيير على مقاومة ومواجهة زحف العدم.
ويرى مراقبون أن حكومة الدبيبة منتهية الولاية تسير على نهج حكومة الوفاق وتستعمل ثروات الليبيين في تمويل الميليشيات في المناطق الغربية، وعدم توفير الخدمات للمواطنين، خاصة في شرق وجنوب البلاد.
ويؤكد المراقبون أن السبيل الوحيد لإجبار حكومة الدبيبة على اتّباع إجراءات مجلس النواب وتسليم السلطة سلميًا، هو إيقاف صادرات النفط، لا سيما أن البلاد تحتاج إلى حكومة موحّدة تسيطر على كل التراب الليبي للإشراف على الانتخابات المزمع إجراؤها في نهاية العام الجاري.