ميثاق الأمم المتحدة ومساواة الشعوب كبيرها وصغيرها
ناجي إبراهيم
بموجب معاهدة فرساي تأسست عصبة الأمم المتحدة 1919 (لتعزيز التعاون الدولي وتحقيق الأمن والسلام)، وجاءت هذه الولادة من رحم الحرب العالمية الأولى التي اندلعت بسبب التنافس بين الدول الأوروبية على مناطق النفوذ، وكانت تطبيقاً لنظرية القوة التي كانت تحكم العلاقات الدولية، إلا أن النتائج التي تسببت فيها هذه الحرب من خراب ودمار وملايين الضحايا من البشر دفعت القوى المتصارعة إلى التفكير في التخلي عن هذه السياسات وترك السلوك العدواني المدمر، وبميلاد عصبة الأمم المتحدة قال منظرو العلاقات الدولية إن العالم قد تخلى عن نظرية القوة وتحول لتطبيق نظرية جديدة تقوم على التنظيم الدولي التي تؤسس لعلاقات دولية تؤسس للتعاون المبني على السلام الذي ستتيحه المنظمة الجديدة التي تأسست في فرساي رداً على ما خلفته الحرب العالمية الأولى من شروخ وتصدعات في العلاقات الدولية تهدد الحياة البشرية برمتها، وتنفس العالم الصعداء وساد شعور عام بأن دول العالم قد تعلمت من دروس الحروب والصدام والتي لم تجلب إلا العداء والخراب والدمار ووجب إيجاد آلية أممية تقوم على التعاون وتعمل من أجل منع الحرب ترعاها منظمة دولية يشارك فيها العالم.
وهل استطاعت هذه المنظمة حماية العالم ضد أي مخاطر تهدد بحرب أكبر دماراً؟
وهل الذين اجتمعوا في فرساي هم شعوب العالم؟
بالقطع لا، لم يتحقق السلام، ولم تضم عصبة الأمم كل شعوب العالم وخاصة التي ترزح تحت الاستعمار، وبالتأكيد الذي حدث وجرى هو عودة وبروز نظرية القوى من جديد ساقتنا إلى حرب أكثر فظاعة وشملت مناطق لم تكن من ضمن جغرافية الحرب العالمية الأولى، واستخدمت فيها البلدان المتصارعة أكثر الأسلحة فتكاً وآخر ما توصلت له عقولهم الشريرة، وختمت هذه الحرب بدفن عصبة الأمم تحت رماد دخان القنابل النووية التي أبادت مئات الآلاف في مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، ولم ينقشع الدخان الذري الذي ملأ سماء العالم، ولم تدفن اليابان جثت قتلاها الذين تحولوا إلى رماد ودفنت معهم السيادة والاستقلال، أرادت أمريكا وحلفاؤها أن تغسل يديها بحنفية سان فرنسيسكو مع بعض الابتسامات وكثير من الخداع.
كتب الميثاق الذي ساوى بين شعوب العالم في الحقوق كبيرها وصغيرها هذه الخدعة دفعت شعوبنا حتى قبل استقلالها تتطلع للفوز بمقعد في هذه المنظمة الوليدة والتي ظننا أنها لن تكون كسابقتها ولن تسقط كما سقطت، لأن ميثاق الأمم المتحدة 1945 ينبذ الحرب والعنف وحتى التهديد به.
هل فعلاً شعوب العالم متساوية في الأمم المتحدة كما جاء في ديباجة ميثاقها؟
هل حققت منظمة الأمم المتحدة الأمن والسلام ومنعت الحروب وكفت أيدي الدول الكبرى عن التدخل في شؤون الشعوب الصغيرة؟
هل احترمت استقلال وسيادة الدول؟
بالقطع لا، فما حدث من حروب وصراعات وتدخلات لم تستطع المنظمة منعها، بل بعضها تم بقرارات منها وبتأييدها ومباركتها… الأمم المتحدة التي قال لنا ميثاقها إن الشعوب متساوية فضحها استحواذ الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية على القرار في مجلس الأمن… الأمم المتحدة التي أعطت الشعوب الحق في الاستقلال وتقرير المصير شرعنت للدول الدائمة في مجلس الأمن ومنها الولايات المتحدة مصادرة هذا الحق في العراق وأفغانستان وليبيا وأعطت الشرعية للكيان الصهيوني ليقيم دولة على حساب الشعب الفلسطيني وصادرت حقه في المقاومة المشروعة من أجل تقرير مصيره، وشرعنت فرض الحصارات والحظر ضد الشعوب ما شكل تعارضا مع ميثاقها الذي يدعو للأمن والسلام ونبذ العنف والتعاون…
الدول العظمى أعطت لنفسها الحق في تفسير القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بما يخدم مصالحها تحت عناوين وشعارات مخادعة، القرار 1973 الصادر ضد ليبيا الذي ينص على فرض منطقة حظر جوي ولم يعطهم الحق بالتدخل العسكري السافر كما حدث عام 2011م.
كيف يمكن أن نثق في منظمة مثل هذه على أنها ستحمي الأمن والسلام وستحفظ سيادة واستقلال الدول؟
تحولت المنظمة الدولية إلى إحدى أدوات السياسة الخارجية للغرب لحماية مصالحه وممارسة الضغوط على الشعوب التي تعارض سياساتهم الإمبريالية والاستعمارية.
ندلي بهذا إلى الذين يعولون على مبادرات باتيلي في إخراج ليبيا من أزماتها بمعزل عن تدخل الدول التي تسيطر على القرار في مجلس الأمن..
ما حك جلدك مثل ظفرك.