مقالات الرأي

خيانة المثقفين

محمد عبد القادر

يعود هذا التحديد المصطلحي إلى الروائي الفرنسي جوليان بندا الذي أطلقه على شكل صرخة مدوية عبر كتابه الذي عنونه “خيانة المثقفين” الذي صدر عام 1927، والذي كان محوره الرئيس هو خيانة المثقفين لدورهم في قيادة مجمعاتهم وتنويرها وحل مشكلاتها والدفاع عن حقوق الشعب، ويشير إلى أن الخيانة تكمن في خيانة القيم والانحياز إلى طغيان السلطة أو القوى المهيمنة وبيع المواقف لأجل التمتع بالحماية الشخصية والمصلحة الأنانية، وقد استخدم كذلك المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد نفس المصطلح للدلالة على نفس المفهوم، وهو دور المثقفين على المستوى الإنساني والحضاري العام أو المحلي الفلسطيني في مقاومة المشروع الصهيوني، وقد ألف كتابه في الإطار نفسه تحت عنوان (خيانة المثقفين – النصوص الأخيرة) يثير من خلاله الكثير من الأسئلة العميقة حول العلاقة المُلتبسة بين المُثقّف ومحيطه، وأثر التحوّلات العالمية في إقصاء دور النُخَب عربيا وعالمياً.
ولكي نلجَ هذا الموضوع ولوجاً يُوصلنا بثبات إلى غايتنا الأساسية وهي تناول حالة المثقف ودوره لابد أن نحدد المصطلحات وما تعنيه تحديداً دقيقاً، لأن عدم التحديد الاصطلاحي يدخلنا في فوضى فكرية لا حدود لها تؤدي بنا إلى التشتت الذي لا يخدم الفكرة، فمصطلح ثقافة مثلا لم يُتفق حتى الآن على تحديد مفهوم جامع مانع له، فهناك اختلافات كبيرة في استخدامه ومعانيه، وما ينطبق على مصطلح ثقافة ينطبق على كلمة مثقف.
فمن حيث المعنى الدلالي، جاء في كتاب العين: “الثقاف حديد تسوى به الرماح ونحوها، والعدد أثقفة جمعه أثقف، والثقف مصدر الثقافة وفعله ثَقِفَ إذا لزِمَ وثقِفتُ الشيء وهو سرعة تعلمه”، وذات المعنى خلص إليه المعجم الوسيط حيث ورد فيه: “ثقف الشيء أقام المعوج منه وسواه، الإنسان- أدبه وهذبه وعلمه”. بينما جاء في لسان العرب بمادة ثقف: “حاذق الفهم.. ورجل ثقف إذا كان ضابطاً لما يحتويه قائماً به، ويقال: ثقف الشيء، هو سرعة التعلم”.
وعرَّف مجمع اللغة العربية (الثقافي) بأنه: “كل ما فيه استنارةٌ للذهن، وتهذيبٌ للذوقِ، وتنميةٌ لِمَلَكة النقد والحُكْم لدى الفرد والمجتمع”.
وفي المفهوم الاصطلاحي كذلك “يبدو أن مفهوم المثقف اصطلاحاً صعب الضبط، وإن أجمع وفرة من الباحثين على كونه شخصية قيادية تنتسب للنخبة، وتمتلك القدرة على التأثير في عموم الناس؛ بسبب خبرتها المعرفية وتمكنها في الغالب من التفاعل مع مجمل أطياف المجتمع. وهو أساساً فرد يشارك في صناعة الرأي العام وصوغ الوعي الجمعي، وصاحب سلطة رمزية معترف بها وبدورها وأهميتها، لأنه يجسد هموم المجتمع وحامل لواء الوعي والتقدم”.
د. محمد رمصيص
مفهوم المُثقّف.. من المعرفة إلى الموقف!
مجلد الرافد
مجلة إلكترونية ثقافية شاملة
نجد أنفسنا هنا ملزمين بطرح سؤال أساسي في هذا الموضوع من هو المثقف؟
سؤال يطرحه الدكتور إبراهيم الشافعي، ويجيب عنه في تدوينة له لموقع الألوكة
فيقول:
“المثقف هو من يملك قدرًا من الثقافة التي تؤهله لقدرٍ من النظرة الشمولية، وقدرٍ من الالتزام الفكري والسياسي تجاه مجتمعه، وهو مبدع كل يوم، يستطيع بهذا الإبداع الثقافي أن يفصل بين تهذيبات القول وتجليات الفكر، بين الثقافة وعدم الثقافة، بين التحضر والتطور”.
ويضيف الدكتور إبراهيم الشافعي في تحديده لمصطلح المثقف “والمثقف في المفهوم الاصطلاحي: ناقدٌ اجتماعيٌّ، “همُّه أن يحدِّد، ويحلِّل، ويعمل من خلال ذلك على المساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي أفضل، نظامٍ أكثر إنسانية، وأكثر عقلانية”، كما أنه الممثِّل لقوَّةٍ محرِّكةٍ اجتماعيًّا، “يمتلك من خلالها القدرةَ على تطوير المجتمع، من خلال تطوير أفكار هذا المجتمع ومفاهيمه الضرورية”.
«إن المثقف هو الشخص الذي لديه عقل يراقب نفسه» ألبيرت كامو.

زر الذهاب إلى الأعلى