مقالات الرأي

أعداء الأمس أصدقاء اليوم

محمد مخلوف

رغم حجم الخلافات والاختلافات العميقة، بالأمس، نراها توافقات تحدث اليوم، ورغم الهجر والتباعد، أصبح التقارب والتواعد، عن طبيعة العلاقات والسياسات، أتحدث.. توترها فترات وانسجامها مرات، بين دول قد لا يجمعها ما يجمعنا، هي علاقات تركيا ومصر، والسعودية وقطر، والعكس، وحتى بين السعودية وإيران، كانت على صفيح ساخن، وما حدث من توافقات، وعودة العلاقات لطبيعتها وعلى أعلى تمثيل ومستوى في منطقة المتوسط والمنطقة العربية التي تقع ربما في محيط أو إقليم واحد، كذلك رغم تعمق هوة الخلاف بين تلك الدول، وكيف ذابت روح الكراهية في نفوس ساستها، التي وصلت للقطيعة وسحب السفراء، وإغلاق مكاتب التبادل الدبلوماسي.
وصار توظيف وسائل الإعلام وخصوصا القنوات الإعلامية المأجورة منها، سلاح حرب بين هذه الدول، وكشف كل منها حساب الآخر من خلال الحملات الإعلامية المحمومة ضد سياسات بعضها البعض، والمشبوهة منها أحيانا والتي طال أمدها لسنوات طويلة من الفرقة والتجاذبات والصرعات.
كل هذه الخلافات بين تلك الدول صارت من الماضي اليوم، في الحقيقة لم ينسوا، بل تناسوا، خلافاتهم واختلافاتهم، وترفعوا على جراحهم في سبيل تحقيق مصالح بلدانهم ومطالب شعوبهم، حتى وإن كانت على حساب الآخرين.
السؤال المطروح والأهم: ماذا عن حالنا وأحوالنا؟ وأين نحن من ذلك التقارب والتفاهم والتصالح والتعاون؟ وماذا نحن فاعلون؟
إنها الضرورة، وليست المحضورة، لقد أصبح وضعنا الراهن يهدد وجودنا، وصرنا بين قاب قوسين أو أدنى من الانهيار نحو الهاوية، نكون أولا نكون، ليس تشاؤما أو يأسا، بل وضعا يعيش الليبيون مخاطره حقيقة كل يوم، معاناته وآثاره السلبية، بل الكارثية، لجملة من التحديات الداخلية والخارجية الممنهجة التي طال أمدها.
لقد مسنا الضر، ونحن ننظر، بما صنعت أيدينا.. فهل من مخرج نصنعه لإنقاذ أنفسنا.. وهو ليس بالمستحيل، في أن نلملم شتاتنا المبعثر، ونضمد جراحنا، وننسى أحقادنا ونفتح قلوبنا، ونمدد أيدينا لبعضا البعض، أن حي على الجمع فإن الله مع الجماعة.
إننا قادرون على توحيد الكلمة وجمع الصف، ورأب الصدع، وجبر الضرر، والعفو عند المقدرة، والدعوة للصلح والتصالح، (والصلح خير) وإصلاح ذات البين.. لأننا شعب واحد ودين واحد ومذهب واحد وعادات وتقاليد واحدة وروابط واحدة وتربطنا وشائج ولحمة اجتماعية واحدة، ويشد تماسكنا أواصر وروابط الدم التاريخية، وصلة الرحم الإسلامية، ونسل الأقارب، والتصاهر وصفات الصداقة الحميمة، وروابط العمل، ناهيك عن الهوية واللغة والدين وقيم التاريخ، وأمجاد الماضي التليد.
لزاما علينا أن ننفض عن أنفسنا غبار الفرقة والتشتت، والتباعد والانقسام، والعمل على توحيد الكلمة وجمع الصف والاستفادة من تجارب الآخرين، علينا المبادرة بالاستجابة الفورية للصلح والتقارب على كلمة سواء، تجمعنا جميعا دون إقصاء أو تهميش أو تمييز، في مشروع مصالحة وطنية مجتمعية حقيقية، من خلال الدعوة لملتقى تأسيسي جامع، يؤسس لبناء الدولة الليبية الحديثة وفق إرادة الليبيين أنفسهم، نعيد لبلادنا الأمن والأمان والاستقرار والسلام، وطنا تتحقق فيه العدالة الاجتماعية، والمساواة، وسيادة القانون، بلدا يتمتع فيه المواطن الليبي بحريته، ويضمن حقوقه، ويقوم بواجباته، ويستفيد من ثروات بلاده، ويقطع الطريق أمام التدخل الخارجي، في شؤوننا الداخلية.
لنحتكم للعقل، ونتحلى بالشجاعة ونتحمل مسؤوليتنا الأخلاقية والدينية والوطنية والتاريخية أمام أجيالنا القادمة، في القيام بدورنا الإنساني والاستنهاض بهممنا، وتوحيد صفنا دون تأخير أو انتظار أو المهادنة لاشتراطات الآخر المستفيد.
فالحل بأيدينا دون سوانا، وأصبح النضال والكفاح السلمي فرض عين وهو الطريق الوحيد للخروج من النفق المظلم.

زر الذهاب إلى الأعلى