دعوات للمقاطعة وإدانة واسعة لحرق القرآن في السويد
متابعات – منيرة الشريف
يقود الغرب منذ عدة عقود حملة صليبية شرسة لتشويه الإسلام والمسلمين، أخذت منحيين، أحدهما جدي، بتشكيل المنظمات الإرهابية، من التكفيريين والجهاديين والقاعدة وداعش وكل ما نتج عنها من مسميات مختلفة، نشروها في البلاد الإسلامية وبدأوا في تدميرها من أفغانستان إلى العراق وسوريا ومصر وكل المناطق، من خلال العمليات الإرهابية، لتشويه الإسلام وإعطاء صورة سيئة عنه، والآخر شكلي وهو تشويه الرموز الإسلامية، وبدأ بكتاب سلمان رشدي “آيات شيطانية” بدعم ورعاية وتمويل من بريطانيا والولايات المتحدة، ثم ظهرت فكرة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم في هولندا والدنمارك، وتبنتها عدة صحف ومجلات أشهرها مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية، كما تبناها اليميني المتطرف وزير الإصلاح الإيطالي السابق “روبرتو كالديرولي”، حيث كان يرتدي ملابس فيها صور مسيئة للرسول في الجلسات الرسمية لمجلس النواب ومجلس الوزراء، في إطار ما يسمى بحرية التعبير، ثم بدأ حرق المصاحف في عدة دول منها فنلندا والدنمارك والنرويج وألمانيا وهولندا ومؤخرا السويد.
وفي حادثة ليست الأولى، تداولت وسائل الإعلام المختلفة فيديو لشخص متطرف قام بحرق نسخة من المصحف الشريف في أول أيام عيد الأضحى المبارك، من أمام مسجد ستوكهولم بالعاصمة السويدية، تحت حماية الشرطة، في واقعة ليست لها علاقة بالمسيحية، فهي جزء من حملة صليبية ممنهجة، فالمسيحيون متعايشون مع الإسلام والمسلمين، في الوطن العربي، في مصر والشام وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، ولابد من التفريق بين الدعوات الصليبية المتطرفة وبين المسيحية، فمنذ أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والدولة الراشدة، كان المسيحيون يحظون بالاحترام والتقدير، وحدث أن قام عمر بن الخطاب بحماية كنيسة القيامة كدليل على ذلك، وخلال فترات الدول الإسلامية المختلفة لم تحدث أي خلافات بين المسلمين والمسيحيين، وكان الإسلام ينتشر بالإقناع وليس بالإكراه.
ردود فعل واسعة اجتاحت العالم بسبب حادثة إحراق المصحف الشريف في أول أيام عيد الأضحى، حيث دعا الأزهر الشريف كافة الشعوب الإسلامية والعربية وأصحاب الضمير الحي، لتجديد مقاطعة المنتجات السويدية، نصرةً للمصحف الشريف كتاب الله المقدس، وذلك بعد تكرار الانتهاكات غير المقبولة تجاه المصحف الشريف، والاستفزازات الدائمة لجموع المسلمين حول العالم تحت لافتة حرية الرأي والتعبير الزائفة.
كما دعا الأزهر حكومات الدول العربية والإسلامية لاتخاذ مواقف جادة وموحدة تجاه تلك الانتهاكات التي لا يمكن قبولها بأي حال من الأحوال، والتي تحمل إجرامًا وتطرفًا تجاه المقدسات الإسلامية؛ مشددًّا على أن سماح السلطات السويدية للإرهابيين المتطرفين بحرق المصحف وتمزيقه في عيد المسلمين؛ لهو دعوة صريحة للعداء والعنف وإشعال الفتن، وهو ما لا يليق بأي دولة متحضرة أو مسؤولة عن قراراتها.
أما الحكومة المصرية فقد أعربت عن بالغ قلقها إزاء تكرار حوادث إحراق المصحف الشريف وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا وجرائم ازدراء الأديان مؤخراً في بعض الدول الأوروبية، مؤكدةً رفضها التام لكافة الممارسات البغيضة التي تمس الثوابت والمعتقدات الدينية للمسلمين.
وشددت في بيان صادر عن وزارة الخارجية على مسؤولية الدول في منع دعوات التحريض وجرائم الكراهية، ووقف تلك الممارسات التي من شأنها تقويض أمن واستقرار المجتمعات، مؤكدةً ضرورة إعلاء القواسم المشتركة من التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي بين الشعوب.
كما استنكر المطران الشرفى لأساقفة إقليم الإسكندرية بالكنيسة الأسقفية في مصر “منير حنا” واقعة حرق المصحف الشريف في السويد، مؤكدا أن هذا الفعل لا ينتمي لأي دين.
وكتب المطران “منير حنا” عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” قائلا “حرق القرآن الكريم في السويد أمر مؤسف ومحزن للغاية، لا يهدف إلا لإثارة الغضب والعنف، وهذا العمل المشين لا يندرج تحت مسمى حرية التعبير إنما يندرج تحت مسمى نشر الكراهية، إن من فعل هذا الفعل حتما لا ينتمي لأي دين يدعو للمحبة واحترام الآخرين”.
كما استنكرت كل من السعودية والكويت والمغرب والإمارات والعراق ولبنان وسوريا والأردن وموريتانيا الحادثة، وأصدرت حكوماتها بيانات تؤكد رفضها للواقعة واعتبرتها عملا تحريضيا وعنصريا مرفوضا.
وعلى الصعيد الدولي استنكر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حرق نسخة من القرآن الكريم أمام مسجد ستوكهولم.
وقال بوتين خلال زيارة لمسجد «الجمعة» في دربند: “بطريرك روسيا يؤكد لنا دوما أن المسلمين إخوتنا، وهذا هو الحال لدينا”.
وأضاف: “روسيا تكن احتراما شديدا للقرآن ولمشاعر المسلمين الدينية، وعدم احترام هذا الكتاب المقدس في روسيا جريمة”.
ووجه الأزهر الشريف، التحية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على موقفه الشجاع وهو يحمل المصحف، ويُدافع عن مقدسات المسلمين، ويعبر عن احترامه للإسلام.
وقال الأزهر، في بيان نشر على موقعه الرسمي: “يحيي الأزهر الموقف الشجاع الذي وقفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يحمل المصحف، ويدافع عن مقدسات المسلمين، ويعبر عن احترامه للإسلام”.
من جانبها طالبت وزارة الخارجية الروسية، بضرورة معاقبة المشاركين في حادثة حرق القرآن الكريم في السويد، مشيرة إلى أن عدم معاقبتهم سيؤدي إلى نتائج كارثية لا يمكن التنبؤ بها، داعية المجتمع الدولي للرد بشكل مشترك على هذه الانتهاكات.
ودعت روسيا المجتمع الدولي للرد بشكل مشترك على انتهاكات حرق المصحف أو أي انتهاكات ضد مقدسات المسلمين.
ونقلت وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية عن المبعوث الخاص لوزير الخارجية الروسي لشؤون التعاون في مجال حماية حقوق حرية الديانة، السفير جينادي أسكالدوفيتش، قوله في بيان، إن: «المجتمع الدولي ملزم بالمعارضة المشتركة لمثل هذه الانتهاكات المشينة لحقوق المؤمنين، ولنتذكر القرار 2686 الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي في 14 يونيو الماضي الذي أعرب عن القلق العميق إزاء حالات التمييز والتعصب والتطرف الناجمة عن جملة أمور منها كراهية الأديان».
وفي السياق ذاته، أدانت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، إقدام متطرف في السويد على إحراق نسخة من القرآن الكريم وتدنيسها، معتبرة أن هذا الفكر والسلوك المنحرف إمعان في التطرف واعتداء صارخ على المقدسات الإسلامية، وفعل شنيع مرفوض جملة وتفصيلا، ولا يمكن تبريره كحرية تعبير عن الرأي.
وذكرت اللجنة، في بيان صحفي، أن تعمد إحراق نسخة من المصحف الشريف في يوم عيد الأضحى المبارك يمثل قمة الاستفزاز والإهانة لمشاعر مئات ملايين المسلمين في أنحاء المعمورة كافة، ودعوة صريحة لاستجلاب الفتنة والتوتر، وردود الفعل غير المحمودة.
ودعت اللجنة إلى ضرورة تضافر الجهود كافة لضمان عدم تكرار هذه الأفعال النكراء، ومحاربة هذه الأفكار المتطرفة التي تؤجج روح الكراهية والعنصرية المقيتة بين أتباع الأديان في العالم، والعمل المشترك على تعزيز ثقافة التسامح واحترام الأديان ورموزها المقدسة.
بدورها وصفت كنيسة المشرق الآشورية حرق القرآن الكريم في العاصمة السويدية ستوكهولم، بالعمل المشين. وقالت في بيان لها “كنيسة المشرق الآشورية في العراق والعالم تُدين هذا العمل المشين بأشدّ العبارات، لأنّه يدلّ على خطأ جسيم للمسؤوليّة الفرديّة لكل إنسان في احترام كرامة الآخرين ومعتقداتهم وإيمانهم”، وجاء في البيان: “إن ارتكاب أفعال إهانة، بأي شكل من الأشكال، ضد عقيدة الأديان الأخرى هو عمل غير مسؤول يهدف إلى بثّ ونشر خطاب الكراهيّة، في وقت نحن مدعوون جميعاً لكي نكون بناة جسور، وأن نوطّد أواصر المحبّة والتّسامح والاحترام، لأن هذا هو الأساس الذي يمكن أن يبنى عليه عالم متحضر، حيث معيار الأدب فيه هو احترام بعضنا البعض، بغضّ النّظر عن إيماننا”.
ولفت البيان إلى أن “كنيسة المشرق الآشوريّة ترفض اليوم، كما رفضت دائماً، جميع الأفعال وردود الأفعال الّتي تهدف إلى الإساءة إلى ما هو مقدّس ودور العبادة ومؤمني الدّيانات الأخرى، بأي شكل من الأشكال وفي أي وقت ومن قبل أي جهة أو أفراد”.
ودعت كنيسة المشرق الآشورية في بيانها جميع القادة الروحيين والدينيين من جميع الأديان، إلى تحذير أتباعهم من الانخراط في أي أعمال من هذا القبيل تنطوي على التعصّب الدّيني وعدم التّسامح.
وطالبت حكومات جميع الدول، ولا سيّما الحكومة السّويديّة، بـعدم السّماح بهذه الأعمال التي تُرتكب باسم “الحريّة الشّخصيّة”، خاتماً بالقول: “لكل نوع من الحريّة حدود، وأهمها احترام كرامة الآخرين ومقدّساتهم”.
وفي السياق قام عشرات المتظاهرين العراقيين باقتحام مقرّ السفارة السويدية في بغداد احتجاجا على الحادثة التي أثارت غضبا في وقت يحيي فيه المسلمون في أنحاء العالم عيد الأضحى، وكتبوا على بوابة السفارة السويدية “نعم، نعم للقرآن”.
كما أكد كل من مجلس مطارنة نينوى ومجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق والمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، في بيانات منفصلة إدانتهم الشديدة لقيام لاجئ عراقي بحرق نسخة من القرآن الكريم في السويد، مشيرين إلى أن ما فعله لا يمثل المسيحيين.
وقال مجلس مطارنة نينوى في بيان: “إننا نؤكد التزامنا الوطني ومحبتنا لإخوتنا المسلمين شركائنا في الوطن واتحادنا بهم، طالبين من الله أن يحمي بلدنا ويبعد عنا كل مظاهر العنف والطائفية التي نهشت في جسد بلدنا العزيز لسنوات طويلة وكانت نتائجها كارثية راح ضحيتها آلاف الأبرياء، لذا نحتاج الحكمة في مثل هذه المواقف وأن لا نجعل من معتوه واحد يشعل نار الفتنة بين الإخوة والشركاء في الوطن والإنسانية”.
إلى ذلك، أكدت الأمانة العامة لمجلس رؤساء الطوائف المسيحية في العراق أن “المجلس يستنكر إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد على يد شاب متطرف، أمام مسجد العاصمة ستوكهولم المركزي. ويعتبر هذا العمل شنيعاً دنيئاً لا تغطيه حرية التعبير، وهو مدان لأنه تعدٍ على حرية آخرين كثيرين وتحريض على الكراهية بين الأديان، ونَسفٌ للسلام بين الشعوب واستفزاز يؤجج مشاعر المسلمين عبر العالم”.