عنصرية الشرطة الفرنسية تشعل الإضطرابات في باريس وعشرات المدن
متابعات – الموقف الليبي
عكس ما يجري في فرنسا حاليا وربما منذ زمن بعيد كيف تصبح المبادئ شعارات زائفة، والحرية مجرد تمثال بمتحف التاريخ؛ في بلد ملأ ساسته رؤوسنا بحرية التعبير والتعددية الثقافية والدينية وحماية الحريات، وانقلبت الحرب على الإرهاب إلى إرهاب حقيقي من جانب الغرب تجاه العرب والمسلمين.
كانت فرنسا تفخر بحرية التعبير عن الرأي وحرية التعبد، ولكن ما يحدث على الأرض يؤكد العداء الفرنسي التاريخي للعرب والمسلمين، فضلاً عن تضخم الأقلية المسلمة التي أصبحت تتعدى نسبة 10 ٪ من التعداد الذي تؤكد المؤشرات أنه أصبح في تناقص مستمر مقابل الزيادة المطردة للمسلمين.
وذلك فضلاً عن تصدي الأقلية المسلمة لمحاولات الإساءة للرسول عليه الصلاة السلام، ومحاولات الإساءة للإسلام بوجه عام.
وظهر ذلك جليا خلال هذه الأيام، حيث تعيش فرنسا حاليا أحداثًا ساخنة من الاضطرابات والفوضى تعكس مدى همجية شرطتها وتعاملها مع الجالية العربية المسلمة فيها، حيث شيع أول أمس السبت جثمان الشاب الجزائري «نائل المرزوقي» الذي قُتل برصاص شرطي فرنسي عنصري الثلاثاء الماضي، وخلف مقتله موجة احتجاجات وعنف مستمرة حتى اليوم في كل أنحاء فرنسا.
من جانبها أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية اعتقال 1311 شخصا وإصابة 79 شرطيا حتى أول أمس، في حين أرجأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة رسمية إلى ألمانيا كان من المقرر أن تبدأ أمس الأحد.
وفي الليلة الرابعة من الاحتجاجات، أحصت الداخلية الفرنسية في بيان 31 هجوما ضد مراكز الشرطة و11 هجوما ضد ثكنات قوات الدرك. وأضاف البيان إن النيران أضرمت في حوالي 1350 سيارة، في حين تعرض 234 مبنى للحرق أو التخريب، وأحصي 2560 حريقا على الطرقات العامة، وأعلن وزير الداخلية الفرنسي نشر 45 ألف شرطي لاحتواء الاضطرابات.
من جهتها، دعت منظمة مسلمي فرنسا إلى الهدوء في التعامل مع وفاة الشاب نائل، كما دعت السلطات الفرنسية لتحمل مسؤوليتها في استعادة ثقة الفرنسيين في شرطتهم وقضائهم.
وأضاف بيان للمنظمة إن العزاء للشاب نائل المرزوقي لا يكتمل إلا بتحقيق العدالة، مذكرة أن النيابة الفرنسية اعتبرت أن اللجوء لاستخدام السلاح بحق نائل لم يستوفِ الشروط القانونية.
وفي مارسيليا (جنوبي فرنسا)، وقعت صدامات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين مساء الجمعة الماضية، بالإضافة إلى إصابة شرطيين واعتقال أكثر من 80 شخصا.
ودعا عمدة مارسيليا السلطات إلى إرسال قوات إضافية إلى المدينة، في حين أظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي انفجارا يهز منطقة الميناء القديم، وقالت السلطات المحلية إنها تحقق لمعرفة السبب، لكنها لا تعتقد أن هناك إصابات أو خسائر في الأرواح.
مناوشات بمدينة ليون
كما حدثت مناوشات في مدن ليون وستراسبورغ ونانت، وحدث إطلاق نار في حي لادوشير بمدينة ليون، وتوجهت قوات التدخل السريع للمكان. وفي ليون أيضا، استخدمت الشرطة المدرعات وطائرة مروحية في محاولة للسيطرة على المتظاهرين.
وقد سجلت عمليات نهب في مدن عدة بينها باريس وستراسبورغ، رغم نشر أعداد كبيرة من قوات الأمن ووقف حركة المواصلات العامة بداية من الساعة التاسعة مساء.
تحذيرات دولية
ومع تصاعد الاحتجاجات وأعمال العنف، نصحت بعض الحكومات مواطنيها في فرنسا بتوخي الحذر، فقد حذرت وزارة الخارجية البريطانية المسافرين البريطانيين من الاضطرابات في فرنسا، قائلة: ربما يكون هناك اضطرابات في السفر على الطرق وربما يتم تقليص وسائل النقل المحلي. وربما تفرض بعض السلطات المحلية حظرا للتجول.
وفي جنيف، شدد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أهمية أن تكون التجمعات سلمية، ودعا السلطات الفرنسية إلى ضمان أن يكون استخدام الشرطة للقوة وفقا لمبادئ عدم التمييز.
نشر المزيد من القوات
وكانت الحكومة قررت إلغاء كل الأحداث الكبيرة مثل حفلتي المغنية ميلين فارمر يومي الجمعة والسبت في استاد فرنسا، وأمرت بوقف حركة الحافلات والترامواي في كل أرجاء البلاد بعد الساعة التاسعة مساء.
ووجهت إلى الشرطي البالغ 38 عاما الخميس تهمة القتل العمد ووضع قيد الحبس.
ونشرت فرنسا 45 ألف شرطي مدعومين بآليات مدرعة، وأعلنت الوزارة السبت الماضي أن 1311 شخصا أوقفوا ليل الجمعة السبت في أرجاء البلاد مع تواصل أعمال الشغب،
وهزت أعمال شغب شملت تخريب مقار إدارات عامة وعمليات نهب ومناوشات متفرقة ليل الخميس الجمعة، مدنًا كثيرة واقعة في منطقة باريس.
وأضرم المتظاهرون النار في سيارات وأغلقوا الشوارع وألقوا مقذوفات على الشرطة بعد وقفة احتجاجية سلمية في وقت سابق لتأبين الشاب.
وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي حرائق عديدة في أنحاء بالبلاد منها محطة حافلات في ضاحية إلى الشمال من باريس ومحطة ترام في ليون.
أحداث شغب بمرسيليا
وعرفت مرسيليا (ثاني مدن البلاد) ليلة مضطربة، ما دفع وزير الداخلية جيرالد دارمانان إلى إرسال تعزيزات إليها. وكانت الشرطة قد أعلنت توقيف 88 شخصاً فيها قرابة الساعة الثانية فجراً في صفوف مجموعات من شباب مقنَّعين ويتحركون بسرعة.
وفي مدينتي ليون وغرونوبل، في وسط البلاد الشرقي، جرت مواجهات حتى ساعة متقدمة من الليل، بين جماعات من الشباب.
ولم تسلم منطقة باريس من أعمال الشغب، وقررت 3 مدن قريبة من العاصمة الفرنسية فرض حظر التجول، على غرار مدن أخرى في المناطق الداخلية.
عنف ممنهج للشرطة الفرنسية
ويرى مراقبون أنه منذ أن انتشر فيديو القتل الوحشي للفتى نائل المرزوقي، على يد ضابط شرطة بالرصاص ومن مسافة قريبة، على نطاق واسع، أضحت الشوارع والمباني السكنية في العديد من الأحياء الفرنسية الفقيرة في حالة تمرد مفتوح.
وأوضحوا أن لسان حال وسائل الإعلام الدولية ربما كان فرنسا تواجه لحظة جورج فلويد المواطن الأمريكي الأسود الذي لقي حتفه بمسدس رجل شرطة عنصري.
وتعكس هذه المقارنة في حد ذاتها إنكارا للعنف العنصري المنهجي الذي كان ملازما لعقود من الزمن للشرطة الفرنسية.
وأوضح المراقبون أن وحشية الشرطة تتزايد بلا هوادة كل عام في فرنسا، وفقا لمنظمة للمدافعين عن الحقوق، فإن الشباب الذين يُنظر إليهم على أنهم من السود أو من أصل شمال أفريقي أكثر عرضة بنسبة 20 مرة لعمليات التحقق من الهوية من قبل الشرطة مقارنة بباقي السكان! ونددت منظمات بعدم وجود أي مراجعة ضد نظام التحقق من الهوية باعتباره شكلاً من أشكال التمييز المنهجي من قبل الشرطة.
كما أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، عام 1999، فرنسا، التي تدعي أنها مهد حقوق الإنسان، بسبب التعذيب، بعد الاعتداء الجنسي على شاب من أصل شمال أفريقي من قبل الشرطة.
وفي عام 2012، قالت هيومن رايتس ووتش إن نظام التحقق من الهوية مفتوح للانتهاكات من قبل الشرطة الفرنسية، وتنطوي هذه الانتهاكات أحيانا على الإساءة الجسدية واللفظية.
والآن، بعد وفاة نائل، اكتفت هيئة حقوقية تابعة للأمم المتحدة بحث فرنسا على معالجة المشاكل العميقة للعنصرية والتمييز العنصري داخل وكالات إنفاذ القانون.
ورغم إدانة المحاكم للدولة الفرنسية بسبب الإهمال الجسيم، والحكم عام 2016 بأن ممارسة التنميط العرقي كانت حقيقة يومية في فرنسا تندد بها جميع المؤسسات الدولية والأوروبية والمحلية، والالتزامات التي تم التعهد بها من قبل السلطات الفرنسية على أعلى مستوى، إلا أن هذه النتيجة لم تؤد إلى أي تدابير إيجابية.
كما أن لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري، شجبت في ديسمبر الماضي، الخطاب العنصري للسياسيين وعمليات التحقق من الهوية التي تمارسها الشرطة التي تستهدف بشكل غير متناسب أقليات معينة.
ورغم ذلك، لا يزال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يعتبر استخدام مصطلح “عنف الشرطة” أمرا غير مقبول! ويخشى مراقبون أن يتم التركيز على ضابط شرطة واحد، بدلاً من التشكيك في المواقف والهياكل الراسخة داخل الشرطة التي تكرس العنصرية ولم يؤد أي من التقارير والأحكام القضائية إلى أي إصلاح ذي مغزى للشرطة كمؤسسة!
ومما زاد الطين بلة، القانون الذي صدر عام 2017 وسهل لجوء الشرطة إلى استخدام الأسلحة النارية بحجة الدفاع عن النفس.
ومنذ هذا التغيير في القانون، زاد عدد حوادث إطلاق النار المميتة ضد المركبات، بمقدار خمسة أضعاف، وفي العام الماضي، قُتل 13 شخصا بالرصاص في سياراتهم.
وخلص مراقبون إلى أن جرائم الشرطة هي السبب الجذري للعديد من الانتفاضات في المناطق الحضرية الأكثر فقراً في فرنسا، وهذه الجرائم هي التي يجب إدانتها أولاً، فبعد سنوات من المسيرات والعرائض والرسائل المفتوحة والطلبات العامة، لا يجد الشاب الساخط أي طريقة أخرى لسماعه سوى أعمال الشغب.
ردود أفعال جزائرية
وتوالت ردود الأفعال بالجزائر، ساخطة على مقتل الشاب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية نائل مرزوقي، على يد الشرطة في فرنسا، مطالبة السلطات الفرنسية بوضع حد لخطاب الكراهية، وتوفير الحماية والأمن للرعايا الجزائريين المقيمين بفرنسا.
ووصفت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، أنها تلقت بصدمة واستياء وفاة الشاب نائل بشكل وحشي ومأساوي، في مدينة نانتير بضواحي باريس، وأشارت إلى أن «الظروف التي أحاطت بالحادثة مثيرة للقلق بشكل لافت».
وأضاف البيان إن الحكومة الجزائرية «ما زالت تتابع باهتمام بالغ تطورات هذه القضية المأساوية، مع الحرص الدائم على الوقوف إلى جانب أفراد الجالية الوطنية في أوقات الشدائد والمحن»، كما نقل البيان التعازي لعائلة مرزوقي في فرنسا، وأن «الجميع في بلدنا يشاطرها بشكل واسع حزنها وألمها».
ولفت البيان إلى أن تدخل الشرطة أثناء التعامل مع الشاب نائل «كان غريباً ومثيراً للجدل»، معبّراً عن «قلقنا الكبير لتداعيات هذه الحوادث مستقبلاً، ونحمّل السلطات الفرنسية المسؤولية الكاملة في إجراء تحقيق كامل ونزيه، لتسليط الضوء على ملابسات هذا الاعتداء وضمان تحقيق العدالة الكاملة».