مقالات الرأي

الإرث الحضاري للأمة أنجب أبطال التاريخ

محمد جبريل العرفي

بقاء الأمم مرهون بإرثها الحضاري، فالأمم الموغلة في الحضارة مهما تعرضت لأزمات أو انتكاسات تنهض من جديد، وهذا الفرق بين حضارة الشرق العريقة والحضارة الغربية القائمة على النهب والإبادة، والأمم تنهل من إرثها وتوظفه في المقاومة واستئناف الحياة ومواصلة المسير. أمتنا تعرضت لغزوات المغول والتتار والإغريق والرومان والأوروبيين والأمريكيين، رغم ذلك اندحر الغزاة وبقيت الأمة.
نحن أمة شكل الإسلام روحها من الداخل، فالعروبة جسد والإسلام روحه، العروبة ليست عرقا، بل لغة وثقافة ومصير مشترك، نحن كعرب نفتخر بصلاح الدين الكردي وطارق الجبالي ومكرم عبيد المسيحي، يحاول أعداء الأمة دق إسفين شقاق، واصطناع تناقض بين العروبة والإسلام، أخطرها كان صناعة جماعة الإخوان كأداة لتنفيذ الأجندات الغربية في الوطن العربي، لكن الأمة العربية انتفضت في وجوههم وشرعت في اجتثاثهم.
جماعة الإخوان تمكنوا أواخر القرن الماضي من السودان والأردن والمغرب، ثم خلال عامي 2011 و2012 سيطروا على مصر وليبيا وتونس، لكن هذه الأمة العظيمة لم ترضخ لهم، ولم تعقم إنجاب أبطال يضحون من أجلها.
فانتفض الشعب المصري العظيم ضد قوى الشر والظلام، ليستعيد هويته وينقذ وطنه من الفوضى والانهيار، وكانت القوات المسلحة في الموعد لتلبية نداء الشعب والانحياز إلى إرادته الحرة لتعيد كتابة تاريخ للمنطقة وتخرج بها من النفق المظلم الذى أريد لها أن تبقى فيه، كما بادرت القوات المسلحة العربية الليبية للتصدي لمهمة تطهير ليبيا من إرهابهم وشرورهم، وكانت تونس في الموعد حيث اجتثتهم بوسائل دستورية، كما تمكنت القوات المسلحة السودانية من الانقضاض عليهم واستعادته منهم بعد ثلاثين عاما من حكمهم البغيض، وصمد الشعب العربي السوري وخرب مخطط احتلال سوريا رغم حجم التآمر المحلي والدولي.
كان الدين أداة تستخدم لقهر الشعوب وللخنوع لإرادة الأجنبي، لكن هذه الأمة أنجبت الأمير الثائر الذي قاد ثورة ثقافية إسلامية أعادت للإسلام وجهه الساطع النقي الطاهر وحرر بلاد الحرمين الشريفين من ثقافة التكفير والظلامية.
رغم النمشات التي طفت على السطح من قيادات عميلة خائنة خانعة خائفة، فقد ظهرت الآن القيادات الوطنية في مشرق الوطن العربي ومغربه التي تحررت من الإملاءات الغربية، فشرعت الأمة في نحت طريقها لإنشاء قطب عربي ينتهج سياسة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، هذا القطب بدأ يتشكل بنواته مصر بإرثها الثقافي وثقلها البشري والسعودية بإرثها الروحي وثقلها الاقتصادي، وستلحق بهم ليبيا إذا تحقق مشروع القوات المسلحة العربية الليبية في تحرير الإرادة الليبية، واسترداد السيادة وطرد المحتلين. ونتمنى أن تسترد سوريا عافيتها، ويثور شعب الرافدين على أدوات الحكم الطائفي، ويلحق شعب المليون شهيد بالركب، وينجو شعب السودان من مؤامرة التفتيت، ويتوحد منبع الأمة في اليمن العريق. وتسترجع روح المناضل محمد الخامس، وتلحق أرض المليون شاعر بأمتها العربية، ويتخلص لبنان من مؤامرة الطائف. ويقوى عود المقاومة الفلسطينية التي بدأت عملياتها تهز أركان الكيان.
الأسبوع الماضي احتفلت أرض الكنانة بالعيد العاشر لثورة يونيو (الفريدة)، التي ردت لثورة يوليو اعتبارها بعد 42 سنة و1 شهر و15 يوما من التجني عليها وتزوير تاريخها وتدمير إنجازاتها، وأعادت لمصر دورها القومي التحرري. نحن أمة أنجبت منذ النصف الثاني من القرن الماضي قائدين عروبيين تحرريين وفي هذا القرن أنجبت من يستأنف المشروع القومي التحرري النهضوي، انطلاقا من مصر وليبيا.
ثورة يونيو أنموذج يحتذى، وبجرد سريع وموجز لمنجزات ثورة يونيو الفريدة، نلاحظ نهضة اقتصادية شاملة، فتم بفضل الاستصلاح زراعة 3 ونصف مليون فدان مما ضاعف مساحة المعمور من 7% إلى 14%، وأنشئت عاصمة إدارية جديدة تعادل مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة باريس، وإنشاء عواصم جديدة لمعظم محافظات مصر، وتحولت قناة السويس إلى عاصمة اقتصادية ولتصبح مصر مركزًا لوجستيًا عالميًا من خلال تطوير الموانئ والبنية التحتية وشبكة طرق التي فتحت شرايين للتنمية.
تم القضاء على عجز الكهرباء وتهالك الطرق وضعف الموانئ، كما تحولت مصر من دولة مستوردة للغاز إلى دولة مصدرة له.
تضاعف معدل النمو السنوي أربعة أضعاف وصل إلى 6.6% وقفز الناتج المحلى من 1.7 تريليون جنيه إلى 11.8 تريليون جنيه وتضاعف الاحتياطي النقدي من 14 إلى أكثر من 35 مليار دولار.
وتعمم التأمين الصحي الشامل والقضاء على الأمراض المتوطنة، وخلق نهضة في خدمات التعليم والصحة وتحسنت الأجور، وإطلاق مشروع (حياة كريمة) كأكبر مشروع اجتماعي في العالم، وبناء مئات الآلاف من السكن الاجتماعي لمتوسطي الدخل، والقضاء على العشوائيات، وإنشاء أكبر قوة عسكرية في المنطقة، ومواكبة التطور بأول دولة إفريقية تغزو الفضاء.
مصر قلب العروبة وشعبها العريق قادر على صنع المعجزات، وأن يصبح قاطرة وقائدا للمشروع العربي الوحدوي التحرري، ومن حق أي عروبي أن يفتخر بإنجازات هذه الثورة العظيمة.

زر الذهاب إلى الأعلى