مقالات الرأي

وداوني بالتي هي الداء

ناجي إبراهيم

الهجرة غير القانونية التي تغرق أوروبا، والمتدفقة من دول الجنوب في اتجاه الشمال، والتي تجتهد دول أوروبا في مواجهتها للحد منها لما تسببه من عبء على ميزانياتها، هي حصاد لسياساتها الاستعمارية والعنصرية، وكانت نتيجة للتراكمات التي سببتها هذه السياسات، تلك بضاعتهم ردت إليهم، لم يصف أحد جيوشكم وهي تغزو إفريقيا ودول الجنوب بالحديد والنار وتبيد الشجر والحجر وتنصب المشانق وتحشر السكان في المعتقلات الجماعية بأنكم ترتكبون أعمالا غير شرعية وتتعارض مع الأعراف والقانون، (رغم أنها كذلك) كما تصفون اليوم تدفق آلاف وملايين الجوعى الذين يتدفقون على بلدانكم.
خطابكم الحاقد وسياساتكم العنصرية لن توقف هذه الجيوش من البشر التي تغامر بحياتها مغمضة العينين وتعبر البحار والمحيطات لتسترد ثرواتها التي نُهبت ولتتقاسم معكم رغد العيش الذي تحقق لكم بفعل ما ارتكبته جيوشكم وشركاتكم من لصوصية ونهب وسرقة لثرواتهم لقرنين من الزمن.
بنيتم سعادتكم وراكمتم الثروات في بنوككم على جثثهم وجلودهم التي ألهبتها سياطكم وهي تحفر المناجم وتشق الطرق وتمد السكك الحديدية لتنتقل عبرها ثرواتهم إلى جيوب رأسماليتكم المتوحشة التي تواجههم اليوم بالحديد والنار لتمنعهم من الوصول إليها ولو في براميل قمامتكم.
لم تتصور أوروبا والدول الاستعمارية وهي تحشد جيوشها وتمني شعوبها بمستقبل زاهر وأنهم سيتحولون إلى سادة للعالم لمجرد أن تطأ أقدامهم مناطق العالم الجنوبي الذي يزخر بثروات هائلة لا تنضب، وبمجرد الاستيلاء على هذه الثروات لن تتوقف تروس مصانعهم وستدور عجلة التنمية الاقتصادية في بلدانهم والتي سترسخ سيادتهم وهيمنتهم على شعوب المعمورة وبلدان الجنوب والتي سيحولونها إلى مخزن للمواد الخام التي ستغذي مصانعهم وسوق استهلاكية ليملأ جيوب رأسماليتهم التي دعمت وبكل ما تملك هذا التوجه وكانت أيضاً سبباً في الحقبة الاستعمارية التي عرفتها البشرية منذ نهايات القرن السابع عشر وبدايات القرن العشرين.
الحركة الاستعمارية قامت على تحالف ملاك وأصحاب المصانع والتجار والحكومات الأوليغارشية، توافقت مصالحها على هدف مشترك واحد وهو القيام بأكبر عملية نصب وسطو ضد شعوب العالم تحت شعارات لا تختلف عن شعاراتهم هذه الأيام التي تعلي من بعض القيم لجعلها المبررات لتدخلاتهم، لم تكن شعارات الحرية وحقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب قد ولدت حينها فأوجدوا شعار الاستعمار لدول وشعوب كانت في أمس الحاجة له، ولم يكن مؤتمر برلين عام 1884 يراد به تنظيم التجارة مع إفريقيا بل كان من أجل تقسيم القارة الإفريقية إلى مناطق نفوذ بين الدول الاستعمارية، ويأتي هذه المؤتمر في إطار سلسلة من الخدع التي نفذتها الدول الطامعة والحالمة في تحويل دول الجنوب إلى مخازن للمواد الخام وأسواق لاستهلاك منتجات مصانعهم ومكبات لنفاياتهم ومنها النووية، وهذا ما كان.
استيقظت شعوبنا على أشلاء أوطان مزقتها الحروب الأهلية بسبب حدود جغرافية قسمت الأسرة الواحدة رسمتها صراعاتهم لتقاسم ثرواتنا وإقامة نظم وظيفة تحمي امتيازاتهم ومصالحهم، ووجدت ثرواتها نُهبت وسرقت وسيقت لبنوكهم وحولوا شعوبنا إلى سلعة في أسواق نواديهم، الوجه الآخر لأسواق العبيد، فلم يتركوا لنا ما يبقينا ويبقي علينا، فحملوا أرواحهم على قوارب الموت يتلمسون طريق ثرواتهم، فواجهوهم بنفس التعالي والغطرسة، من نجا من الموت وجد نفسه في معسكرات الاعتقال وفي أسواق العبيد في مزاد علني وأعادوا السلع التي بارت إلى بلدانهم في أكبر انتهاك لحقوق الإنسان التي تضع حق الحياة على رأس أولوياتها، وأعطوا ظهورهم لحق الإنسان في التنقل، كل تلك السياسات وجميع الممارسات اللاإنسانية لن توقف تدفق شعوب الجنوب التي تموت جوعاً من التدافع نحو ثرواتها المكنوزة في بنوك الغرب، ولن تتوقف هذه الجحافل حتى تُعيد حقوقها التي سرقت منها بقوة وجبروت الجيوش الاستعمارية، لن تحميكم جيوشكم، فالحرب اليوم على أعتاب عواصمكم وفي داخل شوارعكم، وما ضاع حق وراءه مُطالب.

زر الذهاب إلى الأعلى