الصين والدول الناميةبين التحديث والتغريب
محمـد علوش
على مدى السنوات العشر الماضية، ومنذ أن طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مفهوم (الإخلاص والصدق والمودة والصراحة) تعاملت الصين مع كافة الدول النامية دائماً اعتماداً على هذا المفهوم، وفتحت باستمرار نقاطا جديدة لتعزيز التعاون الثنائي والدفع بمجالات التعاون إلى آفاق أرحب، وساهمت بشكل لافت في تنمية وازدهار البلدان النامية، وتعاملت دائما بقلب كبير وبكل تواضع ونكران للذات، فهي ما فتئت تحترم رغبات شعوب هذه البلدان، وكانت ولا تزال تساعد الدول النامية في حدود قدراتها من أجل تطوير تنميتها الاقتصادية وتحسين معيشة شعوبها وفقاً للاحتياجات الفعلية لكل بلد، كما أنها لم تتدخل أبداً في الشؤون الداخلية لأي بلد آخر، وتعاملت مع البلدان النامية بكل صدق وإخلاص، وبنت علاقاتها على أساس المساواة وتعزيز الصداقة الدائمة، وبالتالي فإن هذه الأقوال خير دليل على التطلع المشترك للدول النامية إلى تطوير علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية بكل ثبات.
وداخل الأمم المتحدة، (ترتبط الصين بتحالف وثيق مع مجموعة الـ77 المكونة من 137 عضواً، وهو أكبر تحالف منفرد للبلدان النامية، وتأسست هذه المجموعة في عام 1964، وضمت وقتها 77 دولة عضواً، وبالنسبة لمنظومة الأمم المتحدة، فإنَّ مجموعة الـ77، التي توفر منصة تفاوض جماعي لبلدان الجنوب، هي في الواقع مرادف للدول المُصنَّفة بأنها بلدان نامية، والبلدان الأقل نمواً، والبلدان النامية غير الساحلية، والدول الجزرية الصغيرة النامية).
معروف بأن الصين هي أكبر دولة نامية في العالم، كما يمكن اعتبار أغلب الدول النامية حلفاء طبيعيين للصين في الشؤون الدولية، لذلك فإن الصين تؤيد بإخلاص توسيع تمثيل هذه البلدان وإسماع صوتها في الشؤون الدولية، واستكمال أوجه القصور في نظام الحوكمة العالمي، وجعله نظاماً أكثر توازناً وعدلاً مما يعكس إرادة ومصالح غالبية البلدان ولا سيما البلدان النامية.
ولقد وقفت الصين دائماً مع البلدان النامية وتحدثت نيابة عنها في الساحة الدولية، وفي القمم الدولية الهامة مثل (قمة بكين لقادة أبيك)، و(قمة هانغتشو لمجموعة العشرين)، و(قمة تشينغداو لمنظمة شانغهاي للتعاون)، و(منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي)، و(قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي)، و(الحوار رفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية العالمية)، وعملت جاهدة على بناء منصة للتعاون وتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة والتعاون العملي وتوسيع التبادلات والتعلم المتبادل بين الدول النامية، وإن نموذج التعاون (بريكس بلس) الذي اقترحته الصين يتعمق ويتوسع، وصار نموذجاً لدول الأسواق الناشئة والدول النامية لتنفيذ التعاون بين دول الجنوب- جنوب وتحقيق التحسين الذاتي المشترك.
لقد تقاسمت الصين بكل إخلاص خبرتها الإنمائية مع البلدان النامية، وصولاً إلى التعاون في الحد من الفقر وإنشاء مراكز عالمية لتعزيز التنمية، والتزمت دائماً بمساعدة البلدان النامية على تحقيق التنمية المشتركة، ونجحت في تعزيز وتوسيع التحديث الصيني النمط، وإثراء وتطوير أشكال جديدة من الحضارة الإنسانية باستمرار وكسر أسطورة (التحديث يعني التغريب)، وقدمت صورة أخرى للتحديث وجعلته مرجعاً مهماً للبلدان النامية لاستكشاف مسار التحديث بشكل مستقل بما يتماشى مع ظروفها الوطنية.
ومما يعزز من هذا الدور الإيجابي، إشادة المجتمع الدولي بالصين لتقديمها مثالاً يحتذى به للبلدان النامية للمضي قدماً في مبادرتها وعملية التحديث فيها، حيث قال البعض إن (تحديث الصين بمثابة مشعل منير هام للبلدان النامية، إذ إن نموذج التحديث لا يعني وجود خيار واحد فقط، ولا يوجد معيار واحد يناسب الجميع)، ومع تعزيز التحديث الصيني النمط، ساعدت الصين أيضا في تحسين التنمية الاقتصادية للعديد من البلدان في العالم وخاصة البلدان النامية، ونجاح الصين يلهم البلدان النامية للسعي لتحقيق حلم التجديد.
إن الصين والكثير من البلدان النامية في مرحلة التنمية السريعة، والتفاهم المتبادل يحتاج إلى مواكبة العصر، وتواجه الصين بصدق المتغيرات والمشاكل الجديدة في علاقاتها الثنائية مع البلدان النامية، وعملت دائماً مع الأخيرة لحلها بشكل مناسب بما يتماشى مع روح الاحترام المتبادل والتعاون المربح للجانبين.
والسؤال هنا، لماذا تتمسك بعض الدول الغربية بعقلية الحرب الباردة، وتهاجم وتشوه تطور علاقات الصين مع الدول النامية الأخرى، وتحاول عرقلة هذا التعاون والصداقة من خلال تلفيق الأكاذيب، مثل كذبة (سعي الصين إلى الاستعمار الجديد) وكذبة (فخ الديون).
والدول النامية بطبيعة الحال تعرف جيداً هذه الافتراءات، وأعربت في أكثر من مناسبة عن استيائها الشديد وانتقادها لهجمات البلدان الغربية على الصين وتشويهها لسمعتها، وعندما تتطور البلدان النامية، سيكون لازدهار العالم بأسره واستقراره أساس أكثر صلابة، والصين ستواصل العمل مع الدول النامية لاتخاذ إجراءات عملية لتعميق التعاون الودي، حتى تتمكن الدول النامية من الاستفادة بشكل أكبر من التعاون وضخ المزيد من الطاقة الإيجابية في تعزيز الرخاء والاستقرار العالمي.