رشفات من فنجان قهوة!!
سالم أبو خزام
أظن أن بلادي إذ كانت تتعامل مع الأجنبي بعلو كعب، لكنها تراعي احتراما كبيرا مع عدد من الضيوف الذين تعاملوا معها، وكان تعامل معمر القذافي مع الأجنبي يبدو متميزا، وفيه بعض الخصوصيات والرموز، يمكن تفكيك شفرتها لمن يعنيه الأمر. المؤكد أن شخصية معمر القذافي قد زرعت فينا الاعتزاز بالنفس وتفوقها، وأظن ذلك قد أربك بعض المرتجفين وزاد من شعورهم بالدونية وفاقم من عقدة (الخواجة) عندهم.
فمثلا اختفت يافطات بلغات أجنبية في كبريات الشوارع الرئيسة، لسبب بسيط لأنهم لم يكتبوا باللغة العربية كهوس بعضنا بلغاتهم وألسنتهم، وحيث إن المعاملة بالمثل قد أزحنا كل ما علق بمحلاتنا وشوارعنا كنوع من الاعتزاز بثقافتنا ولغتنا لغة أهل الجنة، لغة القرآن الكريم.. كل ما سبق سبب نوعا من الصدمة والرغبة في الخنوع لدى أولئك المرتجفين.
لقد خرجت علينا مفاهيم كانت مختبئة راكدة أو في حالة مبيت شتوي ربما وصل إلى أربعة عقود.
خرج المزعومون من كل حدب وصوب ووصلوا إلى مراتب متقدمة بدولتنا الفتية وعملوا بوظائف كانت بالنسبة لهم أضغاث أحلام.
إن أروع وصف لهم هو ما قيل من خلال السيدة ستيفاني ويليامز المساعد السابق للسيد غسان سلامة للبعثة الأممية للدعم في ليبيا، وعلى خلفية أعمالها ببلادي وعلى وجه الخصوص عندما قادت لجنة الحوار بجنيف السويسرية.
إذ قالت السيدة ويليامز (بتصرف): هؤلاء الليبيون يشعرونني بالقرف، لأنهم يتنازلون عن كل شيء في سبيل تصورهم وبقائهم بالسلطة، ولاحظت أنهم يحبون التمشي على السجاد الأحمر حين استقبالاتهم، ولا يرغبون في ترك مواقعهم أبدا وأن كل الأجسام السياسية فاقدة للشرعية من الأساس لطول المدة التي جاوزت كل، (مثنى وثلاث ورباع)!! ثم تضيف السيدة الأمريكية ستيفاني ويليامز في معرض تعايشها مع السياسيين الليبيين واحتكاكها بهم وتواصلها اليومي معهم تفاعلا غريبا أدى إلى تكوين أفكارها عن (رجال الصدفة)!! فجلهم يفتحون أذرعهم وأبواب بلادهم للتدخل الأجنبي بيسر وسهولة، وهو الرغبة الكامنة ببقائهم بالسلطة وعدم تفريطهم بما تحصلوا عليه من مكاسب لم تدر بخيالهم يوما!!
لذا فإنهم إذ فقدوا الشرعية من مدة طويلة صار الجميع يعمل على عرقلة الانتخابات وإفساد كل ما يؤدى إليها ومرده خسارتهم لمواقعهم تلك!! وبالتالي فإن تغيير كل النخب الليبية أمر لابد أن يتم.
كل المشهد قد فقد شرعيته وفقد مصداقيته بالكامل، وبالتالي لابد من تبديله وتجديده.
إن السيدة ستيفاني ويليامز لا تتورع أن تقول إن الليبيين هؤلاء يمكن أن يغير كل منهم وجهة نظره لقاء حصوله على تذكرة سفر أو ربما إقامة بفندق ووجبات من الأكل الفاخر، هذا المستوى من التفكير لا يشعرك بالضحالة فقط، بل يجدد لك الغثيان ويشعرك بالمرارة، ويخيل إليك بأنهم جياع.
إن توافه السياسيين قد صدقوا أنفسهم بأنهم رجال دولة خاصة عندما يفرش لهم السجاد الأحمر، ويتمخطرون فوقه، لذلك فتحوا أبواب وطنهم وبلادهم أمام التدخل الأجنبي وعناصر المرتزقة دونما حساب.
تلك صورة لبلادي بكل أسف وتلك حالة من الإسفاف لما بلغت، ولما خلفته الفوضى الخلاقة من تدمير شامل لمواردنا البشرية ومخزوننا الحقيقي.
فاحت العفونة وأزكمت الأنوف واقشعرت منها الأبدان وفاضت!!
انكسرت ليبيا وتلاشت أشرعتها وتلاطمت من أمامها وخلفها الأمواج فهل قدر لها أن تنهض وتلتقط أنفاسها قبل أن يدركها الغرق وتموت!؟