في قاعة الانتظار
أحمد مختار سويسي
يقول المثل التونسي «طارت السكرة وحضر الدائنون»، وهذا هو واقع الحال بالضبط، فالمانحون الغربيون يدعون إلى حوار سياسي شامل في البلاد مع جدول زمني واضح للعودة إلى وضع سياسي هادئ تشرف عليه هيئة أممية.
لكن لابد من الإشارة إلى أن هناك سؤالاً ملحاً يطرح بشكل خجول بين الحين والآخر، وهو: هل ثمة أفق لحل سياسي فعلا للأزمة الليبية؟
لا فائدة في استعراض ما جاء في اجتماعات لجنة 6+6 طالما الفاعلون على الأرض يرون غير ذلك، فلم يكن هناك سوى طاحونة خطب معتادة، لا فائدة كذلك في التطرق إلى حكومة جديدة وتركيبتها، ليس فقط بسبب قضية الشرعية التي ستظل تلاحقها وكذلك برنامجها ورؤيتها للبلاد.
لكن لو ظلَّ السؤال في صيغته التجريدية، فستكون الإجابة بـ«نعم». فالأزمة هي في الأساس أزمة سياسية، ولا بدَّ لها من حل سياسي. ولكن، لو ابتعدنا عن التجريد وطرحنا السؤال، بعد أن وضعناه في إطار الواقع الليبي وتعقيداته وتوازنات القوى المختلفة، فلن يكون ممكناً إعطاء إجابة تلقائية، وسيكتشف الباحث عن إجابات أنَّ الأمر يحتاج لدراسة وتحليل، ثم وضع الإجابة ضمن احتمالات متعددة.
ويبدو السؤال منطقياً؛ لأنَّ ليبيا، على ما تبدو، كانت في سنوات سابقة من على مسافة خطوة واحدة من الوصول لاتفاق نهائي لاستئناف المرحلة الانتقالية بشروط جديدة، أهم معالمها تكوين قيادة سياسية جديدة، لكن الاندلاع قد جمَّد هذا العمل، وألقى به في مصير مجهول.
واجهت الفترة السابقة والحالية في ليبيا تحديات وإشكاليات كبيرة، كان محورها الأساسي التناقضات في الرؤى والمواقف بين الشركاء، وظل التلاسن بينهما وعبر ممثلين لهما، وانتقل التلاسن إلى التعليقات على الاتفاق الإطاري والعملية السياسية التي تجري في البلاد، فهذا طرف أيد حتى ولو من باب الكيد، في إبداء دعمه الكامل للاتفاق ولمشروع الانتخابات الذي ينادي به، وإظهار حماسه لعملية التغيير والانتقال الديمقراطي، فيما بدأ الآخر بتحفظات على الاتفاق والعملية السياسية، وظهرت إشارات متناقضة عبر ممثلين مقربة من مجموعات إسلامية تظهر رفضاً كاملاً للاتفاق، وبدا واضحاً في المحصلة، أنَّ الفريقين ورفاقهما غير راغبين في المضي بالاتفاق الإطاري بقدر سعيهم إلى إطالة أمد الخلافات.
لكن من الواضح أن الخلافات نقلت الأطراف إلى وضع المتحكم في مستقبل البلاد السياسي، في حين تراجعت حظوظ القوى السياسية المدنية، ولم يعد ممكناً أن تتحكم في صورة المستقبل. ولهذا أيضاً، يبدو أن الاتفاق الإطاري لن يعود المرجعية السياسية الوحيدة للعملية السياسية التي ستتم وإنما سينفتح الوضع على احتمالات جديدة ومتعددة.
فأفق الاتفاق السياسي إذن، لم يغلق تماماً، لكنَّه سيأتي متأخراً وفق حسابات جديدة مبنية على توازنات القوى الجديدة بعد، والتي ستختلف قطعاً عما قبلها.