ماذا بعد؟! واجبنا.. تحكيم العقل
محمد مخلوف
إن مقدرة الشعب الليبي، وهو قادر على تجاوز المحن، واستيعاب دروسها تتوقف على مدى قدرته على تحكيم العقل، واستخدام المؤشرات المنطقية، دليلا يهتدي به فيما يتخذه من أفعال أو ردود أفعال حول تعقد المشهد السياسي، وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي إلى حد التنصير بعد التهجير والإقصاء، وانهيار منظومة الأخلاق السياسي عند ثلة قليلة تأثرت، وانجرت وراء دعوات الفدرالية، الملفوفة بغلالة من الغموض والمقاصد، (التجزئة والتقسيم)، فإذا كانت الدول الوطنية القائمة، رغم وجودها الضعيف في عالم اليوم، نراها تحاول الانضمام واللجوء والاحتماء بالأحلاف والتحالف والتكتل، لضمان وجودها واستمرارها، وحماية نفسها، وسط تلك الصراعات الدولية، من أجل النفوذ والتوسع والهيمنة، هذا يسقط تلك الدعوات التدميرية للوطن، والمطلوبة خارجيا، فهي بمثابة جسر عبور للاستعمار، وتحقيق أهداف الدول الكبرى التي تعمل جاهدة، لتنفيذ مراحل المؤامرة الشاملة منذ 2011 في المنطقة العربية، والتمكين من محور الارتكاز والانطلاق من ليبيا نحو التقسيم، كحل للأزمة الليبية وسط الصراعات التي تديرها الأطراف المتنفذة في المشهد الليبي، والمرتبط بعضها بأجندات خارجية، وخصوصا سياسات الإنجليز (بريطانيا) في زرع بذور فتنة الفيدرالية، بحجة إنهاء الأزمة، كمشروع استعماري قديم جديد لتحقيق مصالحها، والدول المتنفذة، مستغلين هذا الانسداد السياسي، والتصلب في الآراء خلال المفاوضات التي يتحكمون في أجندتها الداخلية، وإطالة أمد الأزمة، ومحاصرة المواطن في سبل معيشته، بعد تمكين الأجندات العميلة والموالية من مفاصل الدولة، ولكي يفقد المواطن الثقة في هدف التحرر، تجد من يرى فكرة الفيدرالية ليست بوادر التقسيم، وأنه عمل وطني، إلا أنه بقصد أو بدونه، هو دعوة ضد وحدة التراب الليبي، وعمل غير محسوب النتائج، وسط التجاذبات السياسية، التي تكون مدمرة لنا من حيث لا ندري.
ذلك أننا اليوم أحوج ما نكون إلى اليقظة والوعي والتصرف العقلي، في مواجهة تلك الدعوات القاتلة لوحدة ليبيا، والعمل على الاصطفاف الوطني، وإعلان الرفض الشعبي، لدعاة الانفصال والتجزئة، والمحافظة على وحدة ليبيا، وتعزيز تراب الوطن، من خلال اتخاذ إجراءات هامة وأكثر صرامة من حكومة الاستقرار الليبية، وإبراز مشروع الابتعاد عن المركزية والتوسع في إقامة المحافظات، وصلاحيات البلديات من أجل توفير جميع الخدمات، ذلك هو الأسلوب الأمثل، وأرقى مستوى لتحقيق مبادئ العدالة في التوزيع لثروات البلاد وتأكيد الديمقراطية محليا، والاستفادة من الخدمات بشكل مباشر للمواطنين، وقطع الطريق أمام الأطماع الاستعمارية، ودعاة الفيدرالية، التي ما هي إلا طريق للتقسيم والتفتيت، وأسلوب يروج في أسواق السياسة الرخيصة. في ظل حكومة نذرت نفسها تطوعا في خدمة الخارج، وساهمت ردة وتخاذلا في انتهاك سيادة ليبيا.
ويظل المشروع الوطني النضالي، خيارا تاريخيا، وطريقا وحيدا للقوى الوطنية، في استنهاض الهمم للشعب الليبي، الذي تقوده القوى الوطنية الفاعلة والمدركة لمخططات الأعداء وما يحاك لبلادنا من مشاريع عدوانية خارجية، لا تخفى على أحد، يعمل على تنفيذها المرجفون داخليا والمتسلقون وطلاب السلطة، وصغار موظفي السفارات الأجنبية ومؤسسات المجتمع المدني المشبوهة، ومشاريع التوطين للمهاجرين ونهب الثروات وتهريبها للخارج، وسياسات التهميش والإقصاء وبيع الأوهام لليبيين وأكذوبة الانتخابات وتفاصيل مقاساتها وانتمائها وخياراتها ومدى ارتباطها بالأجنبي.
ويبقى النضال طريقا وتحكيم العقل هدفا لتحقيق مشروع وطني ليبي ليبي يتجسد فيه معنى الإرادة الوطنية لليبيين بعيدا عن التدخلات الأجنبية، وفك الارتباط بالخارج وبناء الدولة الليبية المستقلة ذات السيادة وفق إرادة الليبيين أنفسهم.