الفلوس لا تصنع أوطانا
ناجي إبراهيم
لا مفاجآت في إحاطة المبعوث الدولي لليبيا (باتيلي) أمام مجلس الأمن، ولا جديد فيها، ولم تختلف عن إحاطات سابقة وردت في تقارير المبعوثين السابقين الذين تولوا الملف الليبي.
أغرقوا الليبيين في بحر من الأزمات، فصاروا يتعلقون بقش التصريحات التي تصور لهم أطواق نجاة تحددت في مسار وحيد لن تنتشلهم، بل ستغرقهم في وحل جديد ومتجدد من الوعود الوردية والتصريحات الحريرية والمعسولة والتي لا تتوافق وسلوكهم في الميدان، ووعودهم بالانتهاء من المراحل الانتقالية وتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة كذبها إفشال المرحلة الماضية للانتخابات التي تقررت في الحوار السياسي (لجنة الـ75) الذي انعقد في جنيف وأنتج حكومة مؤقتة خولت بالتمهيد للانتخابات تنفيذها، وفي قرار غير مفهوم استند فيه رئيس الهيئة العليا للانتخابات على القوى القاهرة وأعلن عن تجميد المضي للانتخابات.
وفي تعارض آخر بين إعلاناتهم الصحفية بتأييد السير نحو عقد انتخابات موجبة للخروج من الوضع الانتقالي وما صدر عن لجنة 6+6 في اجتماعاتها الأخيرة في بوزنيقة لصياغة قوانين انتخابية وما تضمنته من مفخخات تعطل أي عملية انتخابية وتشكك في نزاهتها وتضمر نوايا مبيتة لإفشالها أو تزويرها عندما نصت على أن انتخابات الرئيس لابد أن تعقد على مرحلتين حتى لو حصل أحد المترشحين على 90 % في الدورة الأولى، وما يظهر التناقض بين تصريحاتهم وسلوكهم ونواياهم المبيتة ما ورد على لسان المبعوث الأممي في إحاطته الأسبوع الماضي أمام مجلس الأمن، وما أعلن عنه قبل ذلك في إطار تعليقه على مخرجات لجنة بوزنيقة بضرورة إشراك القوى الفاعلة على الأرض في أي صياغة قانونية تتعلق بالمراحل الدائمة، وفي ذلك إشارة إلى جماعات الإسلام السياسي وميليشياتها التي تتحكم في الأوضاع الأمنية في مناطق الغرب الليبي الذي من شأنه إفشال أي عملية انتخابية لا تأتي على هوى ورغبات هذه الجماعات ومجاميعها المسلحة.
باتيلي ومن سبقه من مبعوثي الأمم المتحدة لا يتصرفون بمفردهم أو وفقا لقناعاتهم الشخصية أو بناء على مرجعياتهم الفكرية أو السياسية، بل هم ينفذون سياسات ومقررات ما يسمى المجتمع الدولي الذي تمثله الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والمتحكمة في الشأن الليبي والتي تديره بما يتماشى مع مصالحها في ليبيا والمنطقة وبما يتوافق مع الصراع الدولي على مناطق الطاقة والنفوذ والذي يتجه إلى تقويض نظام القطبية الأحادية التي تدافع عنها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الأطلسي بشراسة وعدوانية.
وبذلك لا يجب أن نحمل المبعوث الدولي باتيلي ومن سبقه الفشل في أي مسار؛ فما يجري في ليبيا من أزمات كان لمجلس الأمن اليد الطولى فيها، وكان سببا في هذا الوضع الذي وصلت له بلادنا منذ تفويضه لحلف الناتو بالتدخل العسكري السافر الذي نتج عنه تدمير الدولة الليبية وتفكيك الجيش الليبي وتغليب الميليشيات والسماح لها بالهيمنة على المؤسسات الأمنية وتعطيل أي جهد لإعادة بناء جيش ليبي موحد.
مجلس الأمن الذي تبنى بإجماع أعضائه الدائمين وغير الدائمين القرارين 1970 و1973 اللذين شرعنا عدوان حلف الناتو الذي قتل وشرد الشعب الليبي ودمر الدولة الليبية لا يمكن أن يعبر عن المجتمع الدولي الذي ليبيا جزء منه، وبذلك حديث بعض المتدخلين في الأزمة الليبية من بعض البلدان وخاصة الغربية على أنهم ينفذون رغبة المجتمع الدولي هو واحدة من عمليات النصب والتدليس التي تعودوا على ممارستها ضد الشعوب من أجل فرض سياساتهم التي بالتأكيد تتصادم مع طموحات وآمال ورغبات الشعوب، ولذلك يتخذون من مجلس الأمن منصة للعدوان وارتكاب الجرائم ودون أن تحمل وزر هذه الأعمال من الناحية الأخلاقية والقانونية والسياسية، وهي أعمال مجرمة بالقانون الدولي ووفق ميثاق الأمم المتحدة الذي يتم استخدامه لخدمة سياساتهم ومشاريعهم الإمبريالية التوسعية، والأمثلة عديدة وكثيرة من أفغانستان إلى ليبيا مرورا بالعراق والصومال ويوغسلافيا السابقة.
اجتاحوا دولا وقتلوا مواطنين وغيبوا آخرين في سجونهم السرية والعلنية ورفعوا الفيتو في وجه أي مشروع قرار لإدانة أعمالهم وجرائمهم، بل استخدموا مجلس الأمن ليغطي لهم تلك الممارسات اللاإنسانية من خلال استخدامهم للفصل السابع الذي يبيح التدخل العسكري ضد البلدان والشعوب بحجج ومبررات مزورة وملفقة وكاذبة وباعترافاتهم هم.
قالوا زورت علينا الأجهزة الاستخباراتية المعلومات بشأن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وقالوا العدوان على ليبيا وإسقاط نظامها كان خطـأ فادحا، ومثل تلك الاعترافات في حد ذاتها جرائم يعاقب عليها القانون.
وعليه لا يجب أن نحمل المبعوثين الدوليين فوق صلاحياتهم وما هو مسموح به لهم من قبل مخابرات الدول المسيطرة على القرار في الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن.
هم مأمورون ولا يسمح لهم بتخطي الحدود المرسومة لهم، وهم يعلمون ونحن ندرك ذلك، ومن هنا وجب أن لا نطلب منهم ما هو فوق صلاحيتهم التي حددها لهم الأمين العام وفق إملاءات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ومنها 3 أعضاء في حلف الناتو، وشاركت في صنع الوضع الحالي في بلادنا.
فلا يمكن لمن صنع المشكلة أن يكون طرفاً في حلها، ولو ادعى ذلك فهو كاذب ومخادع.
وهذا هو بالتحديد ما تمارسه دول الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في إدارتها للأزمة الليبية بالخداع والكذب وبإطلاق التصريحات التي صرنا نعلمها مسبقاً ونعرف مراميها وأهدافها.
وعليه يجب أن ننتظر حلا قريبا ما دام التدخل الأجنبي وما دامت الأبواب مشرعة أمام رياحهم التي لن تهدأ أو تتوقف حتى تقتلعنا من أرضنا وتبديل هوانا وهويتنا حتى نصبح أمة وشعبا كما هي أمة الهنود الحمر وغيرهم من أمم انقرض بعضها ومسخ بعضها الآخر وفقد لغته وهويته وتحول إلى مسخ كالقردة.
أرجو أن يتخلى بعض ممن في المشهد الليبي اليوم عن سذاجتهم وسطحيتهم وأنانيتهم وتغليب مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن.
والفلوس لا تصنع أوطانا.