مقالات الرأي

إحاطة من إحاطات!

مصطفى الزائدي

ردود فعل متباينة حول إحاطة السيد عبدالله باتيلي التي قدمها الأسبوع الماضي لمجلس الأمن، وإن كان أغلبها منتقدا لها فلقد انصب بعضها على استغراب واستنكار على اعتبار أن السيد باتيلي أول أفريقي يتولى مهمة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم، وبالنظر لتاريخه النضالي وعلاقته القديمة بالشعب الليبي، تلك الانتقادات تتناسى أن السيد باتيلي جاء إلى ليبيا ليس لكونه مناضلا أفريقيا تقدميا، بل بحكم وظيفته في هيئة الأمم المتحدة، ولكونه مبعوث الأمين العام لها في ليبيا، أي إنه مبعوث مجلس الأمن، وبدقة أوضح مندوبو الدول الغربية المتنفذة في المجلس والتي تختصر في نفسها ما تسميه المجتمع الدولي!
والسيد عبد الله باتيلي واحد من سلسلة طويلة من المبعوثين أولهم الأردني الخطيب، ولن يكون آخرهم باتيلي، وإحاطة باتيلي هذه واحدة من أكثر من خمسين إحاطة قدمها المبعوثون بشكل دوري حسب قرارات مجلس الأمن التي تلزم الأمين العام بذلك، وكلها تقريبا نسخ مكررة من بعضها، ولست أقول سرا إن من يصوغ تلك الإحاطات ليس المبعوثين أنفسهم، بل أولئك الموظفون بالبعثة الذين ينتمون بالأساس لأجهزة استخبارات الدول الوصية على ليبيا وكذلك يتعايشون من كونهم بالبعثة ولا يتورعون في تقبل الرشاوى مهما كانت قيمتها!
لذلك من الخطأ أن يتوهم بعض الليبيين أن الأمم المتحدة التي صنعت الأزمة تبحث في حلول لها، إنها فقط تعمل على تحويلها لأزمة مستدامة، تعطي غطاء مناسب للدول الوصية لممارسة عبثها بالمصالح والمقدرات الليبية.
فمن كان يعول أن السيد باتيلي سيكون عند وعوده بإجراء انتخابات في أقرب وقت، لا بد أنه يظلم باتيلي نفسه، فليس بموسوع الرجل أن يفعل ذلك مهما كانت نواياه، لأن القرار ليس قراره والإرادة ليست إرادته!
فالغرب تدخل في ليبيا ليخضعها لنفوذه ويحكم سيطرته عليها وعلى مواردها، ولن يكون في تفكيره تسليمها إلى أهلها، فمن يتوقع ذلك لا يختلف عن من توهم أن الناتو حرر ليبيا والليبيين في عام 2011، وصرخ بملء شدقيه “ارفع راسك فوق أنت ليبي حر”، وما أن صدق البعض ذلك وحاولوا رفع رؤوسهم لينظروا فيما حولهم حتى تطايرت تلك الرؤوس بلا رحمة ولا شفقة!
نعم الغرب يريد سلطة ليبية مركزية لها بعض شرعية ليتستر بها، لكنه لن يجازف في سبيل ذلك بأن يسمح لليبيين بأن يكون لهم القول الفصل في ذلك!
مصالح الغرب في ليبيا يمكن تأمينها فقط من خلال سلطة مافياوية، تتكون ممن سماهم عبدالله باتيلي القوة الفاعلة على الأرض.. وهم تلك الجماعات المسلحة التي فرضها الغرب بعد إسقاط الدولة وتدمير مؤسساتها!
لذلك فإن الانتخابات ستجرى فقط عند تأمين هذا الشرط، وهذا ما يفسر الجدل حول انتخابات الرئيس، والتركيز على بناء مجلس تشريعي من غرفتين والإصرار على نظام القائمة النسبية، والسماح بأن تجرى الانتخابات بحماية الميليشيات! أي عندما يكون التزوير متاحا.

Back to top button