وهم التنمية وتنمية الوهم
ناصر سعيد
كلما تخلت الدولة عن وظائفها وأدوارها الاجتماعية، اتسعت قاعدة الفقر، وطفت على السطح طبقة طفيلية رأسمالية استثمرت في حاجات الناس، وبالتالي كلما أخفقت الحكومة في تحقيق معدلات النمو الاقتصادي وتحسين مستوى الدخل لمواطنيها اتجهت للحلول الأكثر فشلا، بدءا من رفع سعر الصرف للدولار وتخفيض قيمة الدينار الليبي لسد العجز في ميزانية الدولة والاقتراض المحلي والخارجي وبيع الأصول والذهاب في طريق به اتجاه واحد حيث يزداد عدد الفقراء يوميا.
كلما استحكمت حلقات الديون المستحقة وفوائدها ستضطر الحكومة للسماح للمانحين الدوليين بمراقبة وتسيير عملها الاقتصادي والمالي وآليات الصرف، والتي لن تكون في مصلحة طبقة الفقراء، التي ستتوسع مع الزمن، وتقابلها طبقة تزداد غنى، وبالتالي تعجز الحكومات عن تمويل المشروعات التنموية، وتجتهد في العمل على تسديد فوائد الديون والتي تتراكم مع كل درهم تطلبه من القروض، والأمر الأخطر في ذلك هو التنازل عن ثرواتها الريعية كرهن للديون، وتفقد سلطتها السيادية على مواردها وثرواتها.
حكومات فبراير وسلوكها السياسي ينبئ عن سيرها في طريق الانهيار الاقتصادي وتآكل مؤسسات الدولة وضياع أصولها وودائعها، وهي بذلك تتجه نحو تنامي العجز والاقتراض لدولة لم يكن لها دين خارجي لأكثر من 45 عاما مضت، ويظهر ذلك جلياً وواضحاً في فشلها في إدارة سياسات الدعم، حيث فقدان السيطرة على ضبط الأسعار، ورغم مبالغ الدعم للسلع الأساسية إلا أن كافة السلع التموينية تباع للمواطنين بالسعر التجاري وبأسعار عالية، وكذلك عجز الدولة الهشة الحالية في تنظيم سوق المحروقات، حيث يتم استنزاف مبالغ خيالية لدعم المحروقات وعلى رأسها البنزين والديزل الذي يباع في أغلب المدن الليبية بأسعار تعادل سعره العالمي للمواطن والفلاح والحرفي، فيما نرى أرتالا من طوابير السيارات أمام محطات الوقود في العاصمة التي تتخذ منها الحكومة مقرا لها وتعجز عن مكافحة نشاط التهريب للسلع التموينية والمحروقات التي تقوم بها الميليشيات المسلحة التي تتولى حماية مقرات هذه الحكومة، مما يشير بوضوح إلى وقوع المنظومة الاقتصادية والسياسية تحت أيدي عصابات ومافيا بلا شك ستقود البلد إلى انهيار وعجز اقتصادي تام في زمن لم يعد بعيداً، وستجبر هذه الأوضاع الحكومة للاقتراض الخارجي لتلبية احتياجاتها ونفقاتها الوهمية على شراء الذمم والسيارات الفارهة والسفريات وعلى تنمية وهمية غير موجودة وعلى متطلبات إتاوة حماية وجودها من قبل الميليشيات المسلحة.
ونحن على أبواب عيد الأضحى المبارك وآلاف الأسر غير قادرة على شراء أضحيتها في غياب كامل لسياسات حكومية تقلص الفجوة بين دخول الليبيين وأسعار الأضاحي، وتذهب في اتجاهات أخرى لشراء ذمم بعض الناس والتغطية على عجزها وفشلها وعدم مقدرتها على حل الأزمات وتقليص المختنقات وفوضى الأوليات وتوظيف فريضة الحج لشراء الولاء السياسي.
مثل هذه السياسات التي لا تستطيع خلق الثروات وتحفيز الاقتصاد وتحديد أولويات صرف الإيرادات بالتأكيد ستقود الدولة إلى باب من يدخله موؤود.