فشل الهجوم الأوكراني المضاد على روسيا يخيب آمال الغرب وأمريكا
الناتو وواشنطن يعيدون إنتاج المؤامرة بطرق أخرى!!
متابعات – الموقف الليبي
زادت بوادر فشل الهجوم الأوكراني المضاد على روسيا من خيبة أمل «كييف» وعجلت إلحاق الهزيمة بالغرب الذي كان يعلق آمالا كبيرة على استنزاف روسيا بهذا الهجوم وإنهاك جيشها القوي.
وجاء الهجوم الأوكراني الأخير ثمرة تعهّدات قمة مجموعة السبع، في هيروشيما باليابان، برفع مستويات دعمها لكييف إلى معدلات عالية، لتحفيزها على تحقيق هدف الرئيس الأمريكي جو بايدن المعلن باستنزاف روسيا مهما طال أمد الصراع.
وبعد فشل الهجوم يستأنف الغرب استثماراً متعدّد الأوجه في سياق مشاركته المباشرة في الحرب على روسيا، مدركاً خفايا تصريحات قادته العسكريين بأن ترساناته المتعددة أوشكت على الاستنزاف إن لم تكن استنزفت بالفعل.
وتشير وسائل الإعلام الأمريكية والغربية إلى زيارة قام بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى الخطوط الأمامية في جبهة خيرسون، في الثامن من الشهر الجاري، للاطلاع على التطورات الميدانية، لطمأنة جمهورها الذي يعرب عن شكوكه في إعلان كييف المتواصل بتحقيقها إنجازات ميدانية تصعب استساغتها.
وتستدرك هذه الوسائل بأن زيلينسكي سمع أخباراً لم يشأ سماعها من قادته الميدانيّين، بأن الهجوم المضاد لم يسر على ما يرام مع ارتفاع الخسائر البشرية والمادية، وتدمير دبابات برادلي الأمريكية وليوبارد الألمانية وعربات الاستطلاع المدرّعة الفرنسية.
كلمة بوتين الواثقة
من جانبه كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تصريحات صحفية للمراسلين الحربيين الروس خسائر القوات الأوكرانية جراء هجومها المضاد الفاشل، مشيرا إلى أنها لم تحقق أي تقدم على أي محور خلال الهجوم.
وقال بوتين، إن نحو 30 في المئة من الآليات العسكرية التي سلمها الغرب مؤخرا لأوكرانيا دمرها الجيش الروسي، ونفى الحاجة لإعلان تعبئة عسكرية جديدة وأوضح أن أوكرانيا فقدت 160 دبابة و360 عربة مدرعة خلال الهجوم المضاد، وهذا فقط ما أحصته موسكو.
وأشار بوتين إلى أن أوكرانيا لم تنجح في أي من الأقسام في الهجوم المضاد، فلديهم خسائر فادحة، مضيفا إن أهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا تتباين وفقًا للوضع الراهن، لكن بشكل عام تظل كما هي وذات طبيعة أساسية لروسيا.
ووصف الرئيس الروسي تدمير دبابات ليوبارد الألمانية ومركبات برادلي أمريكية الصنع، التي تستخدمها أوكرانيا، بأنها تحترق بشكل ممتاز، وتنفجر ذخيرتها بداخلها وأكد أن خصائص ونوعية الأسلحة الروسية تتحسن، وقد أتاحت العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا فهم كيفية ضبط الجيش الروسي ليكون الأفضل في العالم.
أوكرانيون يعترفون بالفشل
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن جنود أوكرانيين قولهم إن معظم عربات المشاة القتالية من طراز برادلي تم سحقها خلال الهجوم المضاد، وإنهم فقدوا معظم تلك العربات، وأوضحت لقطات مصورة لطائرة بدون طيار إصابات مباشرة لعدد من الآليات العسكرية، وقال ضابط أوكراني إن مواقع القوات الروسية في المعركة محمية جيدا.
أمريكا تعترف بفشل الهجوم
وانعكست النتائج المخيبة للهجوم الأوكراني الفاشل على أروقة البيت الأبيض حيث قالت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، صابرينا سينغ، إن أحد الموضوعات التي نناقشها مع الأوكرانيين هو فقدان القدرات القتالية والخسائر، وكل ما يلزم، وأي أنظمة لا تعمل كما ينبغي، هناك خط اتصال مباشر على مستويات مختلفة في هذا الشأن مع كييف عند التخطيط للمساعدة.
وأعلن البنتاغون عن تخصيص الحزمة الأربعين من المعدات العسكرية لأوكرانيا بمبلغ 325 مليون دولار من مخزوناتها، كما أوضح أن حزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا تضمنت 15 عربة قتال من طراز برادلي، وعشر ناقلات جند مدرعة من طراز سترايكر.
معارضة أمريكية للحرب
ولا تزال إرهاصات معارضة الأمريكيين للحرب في أوكرانيا في مهدها، مقارنة بما واجهته آلة حربها المدمّرة في فيتنام من رفض واضح وصريح.
ووجّه نحو 14 شخصية سياسية ودبلوماسية خطاباً مفتوحاً للرئيس جو بايدن في 16 مايو الماضي، يناشدونه التزام الحل الدبلوماسي وإنهاء الحرب في أوكرانيا، مذكّرين بتعهّد حلف الناتو للرئيس السوفيتي غورباتشوف بعدم التمدّد شرقاً.
واعتبرت المجموعة حلف الناتو أحد مظاهر عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية الموصوفة بأحادية التوجّه وتغيير النظم وشن الحروب الاستباقية.
ورأى سياسيون أنه من الجائز القول إن المساعدات المالية الأمريكية لأوكرانيا، والتي بلغت أكثر من 30 مليار دولار، قد أرخت ظلالها على المشهد السياسي الأمريكي الذي يعاني التضخّم وزيادة أسعار الوقود والطعام يرافقه خفض ملحوظ في ميزانيات التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية.
كما نشطت بعض النخب الفكرية في لفت الأنظار إلى خطورة الطاقم الثلاثي الذي يدير السياسة الأمريكية نيابة عن الرئيس الصوري، بحسب توصيفهم، والمكوّن من المحافظين الجدد: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وزير الخارجية آنتوني بلينكن ونائبته فيكتوريا نولاند، وانضم إليهم مؤخراً مرشّح بايدن لترؤس هيئة الأركان المشتركة، شارلز براون، المعروف بتشدّده حيال الصين وروسيا.
وأوضحوا أن تصدّع الثقة في عزم واشنطن توريط أوكرانيا ضد روسيا له خلفياته في صلب النخب السياسية والفكرية، وحتى العسكرية، في عنوان صادم للشعب الأمريكي، الذي صدّق سردية البيت الأبيض طويلاً.
مذكرة استخباراتية أمريكية
وما فاقم القلق الأمريكي المشار إليه تسريب مذكّرة بالغة السريّة من البنتاغون، انتشرت بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي، فحواها عدم تحقيق أوكرانيا أهدافها بعد إطلاقها للهجوم المضاد.
وكشفت المذكرة عن جدل دوائر القرار المغلقة بأن مضمون التقييم الأمريكي الأحدث لأداء أوكرانيا يشير إلى أن كييف لن تستطيع تحقيق نجاحات كما الفترة الماضية، خصوصاً بعد تيقّن الأوساط السياسية من أداء القوات الروسية بتطبيقها الصارم لعقيدتها العسكرية ما أسفر عن إيقاع خسائر إضافية في صفوف القوات الأوكرانية والغربية.
مطالبات بوقف الدعم لأوكرانيا
كما يسود قلق مضاف داخل الإدارة الأمريكية بشأن استمرار الكونغرس في المصادقة على مزيد من أموال الدعم لأوكرانيا، بعد نفاد الجزء الأخير، والخشية أيضاً من انعكاس أي تراجع ميداني للجانب الأوكراني، كنقيض للهدف المعلن باستعادة شبه جزيرة القرم، على ميول أعضاء مجلس النواب في تركيبته الراهنة للتخلّص من الاستنزاف الأوكراني، وتحميل المسؤولية كاملة للإدارة والحزب الديموقراطي.
كما باتت عملية إنهاء الحرب أحد مكوّنات الجدل السياسي الأمريكي، خصوصاً بين النخب السياسية والفكرية وبعض العسكرية، مسترشدة بصعوبات الموقف الميداني بعد الخسائر البالغة التي تكبّدتها كييف، ومحذّرة من تكرار سوء تقدير سياسي وعسكري لما هو آتٍ، كما شهد العالم في الحرب العالمية الثانية حينما تكبّدت القوات النازية خسائر جمة استمر استنزافها 8 أشهر من أجل احتلال القاعدة البحرية السوفياتية في سيفاستوبول في جزيرة القرم.
مبادرات لإنهاء الحرب
أما تسويق إنهاء الحرب مع حفظ مياه الوجه لحلف الناتو وأوكرانيا فقد بدأ على قدم وساق في الدوائر المصغّرة والنافذة في صنع القرار بحيث تصاغ في سياق وقف إطلاق النار للجانب الأوكراني، وليس كمنصة انطلاق مفاوضات سلام دائمة.
ما تقدّم من سيناريوهات إخراج لمأزق حلف الناتو وقوات كييف سوية يناقض الأهداف السابقة المعلنة باستعادة شبه جزيرة القرم والجمهوريات الأخرى التي انضمت إلى روسيا. ويلمس المرء عبر ذلك إقراراً صريحاً بأن تلك الأهداف أثبتت أنها غير واقعية أسوة بهدف واشنطن المعلن لإلحاق الهزيمة بروسيا.
مبادرة الوفد الإفريقي
وعلى صعيد جهود القارة الإفريقية في حل الأزمة سلميا تم تشكيل وفد المبادرة الإفريقية المشتركة لتسوية الأزمة «الروسية ـ الأوكرانية» ويجري الوفد حاليا زيارة لأوكرانيا وروسيا، ويضم رؤساء عدة دول إفريقية.
وقد عقد الوفد الإفريقي جلسة مباحثات مع الرئيس الأوكراني زيلينيسكي، وجلسة مباحثات مع الرئيس بوتين، وتم عرض عناصر المبادرة الإفريقية المشتركة لتسوية الأزمة.
وخلال اللقاء بالوفد الإفريقي أوضح بوتن أن روسيا وقعت معاهدة حياد مع الوفد الأوكراني في تركيا، وكان أحد شروطها: انسحاب روسيا من كييف وسومي وتشرنيغوف، وهو ما تم بالفعل ولكن جاء رد «كييف» مخيبا للآمال إذ ألقت بالمعاهدة في مزبلة التاريخ بأوامر من واشنطن وأعلنت النصر!
يُذكر أن مبادرة السلام الإفريقية لحل الأزمة اقترحها قادة الدول في القارة السمراء وأُعلن عنها في مايو الماضى، في مسعى لوقف أسوأ حرب تشهدها القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وتُلقي بظلال تبعياتها على العالم كله وخاصة إفريقيا.
وأيضًا تسعى كييف إلى كسب التأييد للتدفق المستمر للحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود وتأمين فرص جديدة للأعمال التجارية الأوكرانية الإفريقية ،وتتطلع إلى المفاوضات مع القادة الأفارقة.
وفي السياق ذاته فإن المبادرة قد نالت استحسانًا دوليًا في الوقت الراهن، بعد فشل العديد من المبادرات السابقة لحل الأزمة، وكان أبرزها المبادرة الصينية، كذلك محاولة البرازيل تقديم اقتراح بتشكيل مجموعة اتصال من دول غير ضالعة في الحرب للوساطة إلا أن المقترح لم يمض قدمًا.
كذلك عرض الفاتيكان في مارس 2022 تقديم المساعدة في أي نوع من الوساطة، لكن أيضًا لم يتم المُضي قدمًا فيها .
لماذا يضغط الحلفاء؟
ورأى محللون أن الغرب استثمر أموالا طائلة في الحرب، وأوشك على استنزاف ترسانته العسكرية لصالح أوكرانيا، وسيواجه ضغوطا من الشارع إن لم تُترجم إلى هزيمة لروسيا، وما يؤكد ذلك أن هناك انتخابات في دول غربية ويلاحق المرشحين في هذه الدول أسئلة الناخبين حول إنفاق هذه الأموال، ويرى خبراء عسكريون روس أن الغرب دخل الحرب بشكل مباشر ضد روسيا، وليس مجرد تقديم مساعدات لأوكرانيا.
ووصفوا الهجوم المضاد الأوكراني، تحت الضغط الغربي بأنه قد يشكل انتحارا للأوكرانيين في ظل التحصينات اللوجيستية والعسكرية لروسيا، وبخاصة في مناطق مثل زابوريجيا، وسيكون أحد أكبر المغامرات الغربية.
وجاءت تعهدات قمة مجموعة السبع بزيادة دعم كييف بعد يوم من تأكيد موسكو سقوط كامل مدينة باخموت شرقي أوكرانيا، في يد الجيش الروسي بعد معارك وصفت بالأعنف والأطول في الحرب الممتدة منذ فبراير من العام الماضي.