مقالات الرأي

هو ليس برجل دين

عفاف الفرجاني

وأنا أغادر ذلك العزاء المهيب الذي أقامته كريمة العلامة الليبي المرحوم الشيخ المدني الشويرف لوالدها بمدينة القاهرة بجمهورية مصر العربية انتابني شعور بالفخر أكثر من الحزن، تساؤلات عدة راودتني وددت أن تكون لها إجابة مباشرة من صاحبها..
كيف لك يا رجل وأنت في عمر الكهولة أن توحد مشاعرنا؟
من أين لك تلك السطوة لتجمع كل الفرقاء السياسيين في وطن أكلت منه الفتنة ما أكلت على كلمة اللهم ارحم شيخنا الجليل بواسع رحمتك؟!!
لقد علمتنا أن المسؤولية الدينية في الإفتاء تفوق المسؤولية السياسة، وأن الفتاوى الدينية قد تدمر شعوبا وقد تنهض بالأخرى، علمتنا أن قول الحق لا يخضع للمساومة والقسمة.
كلفته كلمة الحق سنوات خلف قضبان الباطل يصارع الظلم والظلام، لتمنحنا الحق نستضيء به في عتمة الليل، لقد كنت منهجًا ونهجًا سار عليه أحرار بلادك في وقت الردة والانبطاح.
الشويرف اليوم يضرب مثلا عظيما لمشايخ الضلالة الذين حرضوا على القتال والدمار وإزهاق الأرواح والممتلكات، وتدمير الأوطان.
قليلون هم البشر الذين تتيح لهم الفرص الكبيرة ليكونوا في الواجهة ويتصدرون المشهد، فقناعاتهم الأخلاقية تمنعهم ولو كلفهم ذلك وجودهم في الحلقة الأضعف، حتى جاءت نكبة الفكر والدين ما تعرف بفبراير التي أحدث فيها العلامة الشويرف تنويرا فكريًا في عقول بعض الشباب الذين كان سيزج بهم في حرب الناتو على ليبيا، لقد طلب ما يعرفون بقيادات الثوار فتوى صريحة لمباركة العدوان استباحته السماء الليبية وقصف المدنيين وملاحقة العقيد القذافي وكل من عمل في نظامه، وفي الحقيقة هي دعوة لحرب أهلية، وبشجاعة منقطعة النظير رفض المدني الصفقة ليفتي عكسها لتكون الصدمة التي عصفت بمخطط الغرب الكافر وكل قوى الإمبريالية بالداخل بتحريم وتجريم هذا الفعل وعلى الهواء مباشرة وكل من يفعله أو يساهم في فعله فقد ضل ضلالا كبيرا.
وقتها كانت صفعة على وجوه الخونة ودعوة للتمسك بالحق والدين والوطن، ليعاقب هذا الكهل بالسجن ما يقارب أكثر من خمس سنوات في معتقل بمدينة مصراته، غير أنه لم يغير موقفه ولم يتراجع عن قول الحق.
من قال إن رجال الدين وظائفهم تختزل في قيمة الزكاة ورؤية الهلال وتبرج المرأة والربا في القروض… ففتاوى عالم الدين قد يغير بها مسار التاريخ ومسار شعوب وأنظمة.
اليوم يغادرنا هذا الشيخ الصالح المناضل الصابر المحتسب إلى جوار ربه تاركًا وراءه سيلًا من المترحمين على مستوى العالم العربي والإسلامي، لقد نعاه العدو قبل الصديق.
كل ذلك راودني وأنا في مراسم العزاء الذي أخذتني فيه ذاكرتي إلى ليبيا الوطن، إلى ليبيا الرجال، إلى ليبيا الحق، إلى ليبيا الصمود، عندها أيقنت أن البلد الذي أنجب هكذا رجالا لن يسحق، وإن نصر الله قريب.

زر الذهاب إلى الأعلى